زفة إشهار طويلة - عبدالله مصلح
في البدء كنت أدوام على القراءة التنظيمية لصحيفتي الأولى "الصحوة" وكنت أعتبرها بمثابة المصدر الثالث للتشريع الحياتي بعد القرآن والسنة، وعند ظهور صحيفة "الناس" قلت هذه أفضل.. هذه أكبر.. هذه من ستأكل بأقلامها محمد آدم الذي أكل حياة بناتنا في كلية الطب، ثم جاءت "الوسط" فرددت "خير الأمور أوسطها" وفعلاً وجدت في الوسط ما لم أجده في كتابات جمال عامر سواء في الثقافية أو الوحدوي أو غيرها، وحازت الوسط على كل أطرافي. وفجأة قطعت "النداء" صوت كل كاتب، وأضافت همّاً رابعاً في قائمة أولويات جيوبي المنهكة، ومن وسط أكوام ورقية تنوء بحملها الأكشاك وظهور بائعي الجولات، ومن سواحل بحيرات اليراع انبرت "النداء" تنادي بصوت رخيم أجش.. تنادي بلغة الموضوعية الغائبة، والمهنية المغيبة، تنادي بالسمو للبسطاء والغلبة للمهضومين والمهمشين. ومن أول عدد غُيبت "النداء" عن الأنظار في محاولة وأد فاشلة، وكان هذا الغياب فترة تهيئة إضافية، وزفة إشهار كافية لم تنلها أي من الصحف الأولى، وكأن ثمة كاهناً للسلطة أنبأها بمولود صحفي ذي شأن عظيم سينتصر لكل المظلومين، وجاء الأمر السلطوي "اخنقوها.. أوقفوها". فكانت الحياة وكان الانتشار.
أرادوا هدم أسوارها فبنوها
وأتوا كي يقصروها فطالت
ولأن الضربة التي لا تقتل تقوّي؛ فها هي "النداء" تحتفي بعددها الـ"100"، مائة نداء مسموع، مائة تعب لذيذ، مائة إنجاز ثمين، مائة جهد مثمر، مائة حبة عرق تساقطت من لدن صلعة ناشئة، مائة حرية بانتظار عشرات السجناء، مائة مواراة قادمة لمعاناة اللاجئين الصوماليين، مائة أمل في وجوه الثكالى والبائسات.
ولست أدري هل سأكون مقصراً في حقها إذا ما قلت بأنها الصحيفة الأولى في قائمة الالتزام المهني الصارم والأداء الرسالي الرصين؟، ورغم تقصيري هذا فيكفيها أنها الصحيفة الأوحد التي تفردت بإعلان ميثاق شرف صحفي يصون عرض المهنة المهانة، في زمن القابض فيه على قلمه كالقابض على الجمر!!
ولأن الإنسان بفطرته يحتاج للشكر والتقدير أشدَّ من حاجته للمال فلن نمنع إطراء مجانياً واحداً عن مسامع من ظلوا ينادونا بأعلى صوتهم طيلة مائة أسبوع. تتابعي.
زفة إشهار طويلة
2007-05-03