صنعاء 19C امطار خفيفة

محاولة لقراءة أقصوصة "ولد صغير" للقاصة أحلام شحاتة أبو يونس

محاولة لقراءة أقصوصة "ولد صغير" للقاصة أحلام شحاتة أبو يونس
لوحة للفنان العالمي "بوب روس"

أولًا: النص:

 
"في الشارع المجاور لبيتي وقف ولد صغير بيده حقيبة مدرسية ممزّقة، وملابسه متسخة بعض الشيء، أشعث الشعر، مغبّر الوجه، متّسخ اليدين، حافي القدمين، معه قطعة خبز جافة، خالية إلا من التراب والعرق، يأكلها بنهم شديد. تركت البطانية من يدي على الشبّاك، وخرجت من صدري صرخة مكتومة وزفرة، ناديته: "إنت يا شاطر".
تلفّت حوله، كررت النداء، فنظر لي واجمًا، ولم ينطق بكلمة، ابتسمت له، فزال الوجوم، ونظر نظرة بعيون باهتة، وبدا وجهه شاحبًا، قلت له: "إستنى"، ودخلت جهّزت له بعض الأشياء، وأنزلت سلة مربوطة بحبل أدليته من الشباك، ففرح نصف فرحة، وابتسم نصف ابتسامة، وكأنه يخشى أن يضحك. مد يديه ليخلّص الكيس، ويرى ما فيه. أخذ القميص، فخلع ما كان يرتديه، ولبسه مكانه، وأمسك بزجاجة المياه، فشرب كثيرًا، وغسل يديه ووجهه، وبدا وجهه جميلًا، وارتسمت على وجهه علامات الرضا، فشعرت بالارتياح المؤقت، خاصة بعد أن لبس الحذاء. ومشى يتلفّت وراءه وكأنه يقول لي "شكرًا". مشى الولد الصغير، لكن صورته لم تفارق خيالي، وإلى الآن مازالت عيناي تبحثان عنه".
 

القراءة التحليلية:

 
تتناول أقصوصة "ولد صغير" للكاتبة أحلام شحاتة أبو يونس، موضوع الفقر والبراءة، من خلال تصوير حياة طفل يعاني من ظروف قاسية، ومن هذا المنطلق فالقصة تحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا، إذ تبرز لحظة تواصل بين شخص بالغ وطفل في وضع اجتماعي صعب.
 

الشخصيات:

 
- الولد الصغير: يمثل البراءة والضعف، فهو يجسد صورة الطفل الذي يعيش في فقر مدقع. ملابسه المتسخة وحالته الصحية تشيران إلى عدم الرعاية، ووجوده في الشارع يعكس الواقع القاسي الذي يعيشه.
- الراوي: يمثل الضمير الحي، الذي يتفاعل مع معاناة الطفل، ويشعر بالحاجة إلى مساعدته. يظهر التعاطف واللطف، مما يجعل القارئ يتعاطف مع موقفه.
 

المكان والزمان:

 
تدور أحداث القصة في الشارع الكائن فيه بيت الراوي نفسه، مما يعطي شعورًا بالحميمية والواقع المعاصر. هذا المكان يعكس بيئة الفقر التي يعيش فيها الولد، ويزيد من حدة التوتر النفسي لدى القارئ.
وقد استخدمت الكاتبة أسلوب السرد المباشر، إذ يتم تقديم الأحداث من منظور الراوي. اللغة بسيطة، لكنها تحمل عمقًا عاطفيًا. استخدام الأوصاف الدقيقة لحالة الطفل (مثل الحقيبة الممزقة والملابس المتسخة) يسهم في بناء صورة واضحة عن معاناته.
تسلط الأقصوصة الضوء على الفقر، إذ يُظهر الطفل بوضوح كيف يؤثر نقص الموارد على حياته اليومية. قطعة الخبز الجافة تمثل الوجبة الوحيدة التي قد يحصل عليها، مما يعكس الواقع المؤلم الذي يعيشه الكثير من الأطفال.
اللحظة التي يستجيب فيها الراوي لمحتاج، تعكس إنسانية قوية. هذا التفاعل البسيط بينهما يظهر كيف يمكن لفعل صغير أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة شخص آخر.
إذن، تظل صورة الولد الصغير عالقة في ذهن الراوي، مما يعكس التأثير العميق لهذه التجربة. القصة ليست مجرد سرد لمعاناة، بل تدعو القارئ للتفكير في مسؤولياته تجاه المجتمع والآخرين. تترك القصة أثرًا عاطفيًا قويًا، مما يجعلنا نتساءل عن دورنا في مساعدة من هم في حاجة.
ورغم أن الأقصوصة تحتوي على جمل قليلة، إلا أن السارد يمتلك تقنية السرد، إذ استخدمت أحلام شحاتة أبو يونس تقنية سرد فعالة تعزز من تأثير القصة، وتعمق من تجربة القارئ. إليك بعض العناصر الرئيسية في تقنية السرد:
أولًا: السرد من منظور الراوي: تروى القصة من وجهة نظر شخصية الراوي، الذي يتفاعل مباشرة مع الطفل. هذه التقنية تتيح للقارئ الولوج إلى مشاعر الراوي وأفكاره، مما يعزز التعاطف مع الطفل ومعاناته.
استخدمت الكاتبة أسلوبًا ووصفًا دقيقًا لحالة الطفل ومحيطه. الأوصاف الجسدية (مثل "حقيبة مدرسية ممزّقة" و"ملابسه متسخة") تُعزز من الصورة الذهنية للطفل، وتساعد في نقل مشاعر الفقر والحرمان.
تسير الأحداث بشكل متسلسل ومنطقي، إذ يبدأ الراوي بملاحظة الطفل، ثم يتفاعل معه من خلال تقديم المساعدة. هذا التتابع يُظهر تطور العلاقة بين الشخصيتين، ويدعم بناء التوتر العاطفي.
كما تتضمن الأقصوصة لحظات من الحوار الداخلي للراوي، مما يتيح للقارئ فهم مشاعره وأفكاره. العبارات مثل "صرخة مكتومة" و"شعرت بالارتياح المؤقت" توضح الصراع العاطفي الذي يعيشه الراوي.
تمتاز القصة بتوظيف الزمن بشكل فعّال، إذ يتم التركيز على لحظة معينة في الزمن تُحدث تأثيرًا عميقًا. هذه اللحظة تتيح للراوي وللقارئ التفاعل مع حالة الطفل بشكل مباشر.
كما أن الأقصوصة تحتوي على عناصر رمزية، مثل قطعة الخبز الجافة التي تمثل الفقر والحرمان، والأكل بنهم. وأن الطفل يعاني ليس من انعدام الأكل. الشرب بل وماء غسل يديه... بينما توفر الملابس الجديدة شعورًا بالأمل والتغيير. هذه الرموز تعمق من معاني القصة، وتضيف بعدًا فلسفيًا.
تنتهي القصة بصورة الطفل التي تظل عالقة في ذهن الراوي، مما يترك القارئ في حالة من التأمل والتفكير في مصير الطفل. هذه النهاية المفتوحة تدعو القارئ للتفكير في العواقب الاجتماعية التي تمثلها القصة.
تقنية السرد في "ولد صغير" تعتمد على مزيج من الوصف الدقيق، الحوار الداخلي، وتتابع الأحداث، مما يخلق تجربة عاطفية غنية. تُسهم هذه العناصر في تعزيز الرسالة الإنسانية للقصة، وتترك أثرًا طويل الأمد في ذهن القارئ.
 
19نوفمبر2024م

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً