صنعاء 19C امطار خفيفة

عن إعادة بناء الحزب الاشتراكي اليمني والعودة إلى الجماهير

الحزب الاشتراكي اليمني، منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي، كان ومايزال جزءًا لا يتجزأ من الحركة الوطنية اليمنية. وقد استطاع خلال فترات معينة أن يمثل القوة التقدمية الأكثر تأثيرًا في اليمن، بخاصة خلال فترة الحكم في جنوب اليمن، إذ استطاع قيادة المجتمع نحو بناء دولة مؤسسية قوية ومتقدمة من الناحية التعليمية والصحية والثقافية واللافساد.

 إلا أن التحديات التي واجهها الحزب في فترة ما بعد الوحدة اليمنية عام 1990، والحرب اللعينة عام 1994 على جنوب اليمن، وعلى شريك الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني، وما تلاها من تدهور سياسي ومؤسسي، ومصادرة لمقراته واغتيالات ممنهجة لكوادره سواء داخل الحزب أو في مؤسسات الدولة، وطرد أعضائه وكوادره من مؤسسات الدولة أيضًا، أضعفت دوره، وجعلته يدخل في مرحلة من الركود والانكفاء على الذات.

اليوم، يواجه الحزب الاشتراكي اليمني تحديات معقدة ناتجة عن الواقع السياسي المتدهور في اليمن. الحرب الأهلية، والصراع المستمر بين الحكومة الشرعية والحوثيين، بالإضافة إلى تفكك البنية المؤسسية في البلاد، تجعل الظروف أكثر تعقيدًا أمام أية حركة سياسية تسعى لإعادة التوازن والنهضة. الحزب يعاني من حالة "الإحباط" السياسي، نتيجة الخسارات المتتالية منذ حرب 1994 وما تلاها من عواقب، وصولًا إلى انضمامه إلى تحالف "اللقاء المشترك"، الذي مثل له سلاحًا ذا حدين، إذ أعطاه فرصة للعب دور سياسي في المشهد، لكنه في الوقت نفسه أضعف استقلاليته.

إن المطالبة بعقد مؤتمر عام استثنائي لانتخاب قيادة جديدة للحزب، ليست جديدة في تاريخ الحزب، إذ لطالما كان الحزب رائدًا في ممارسة النقد الذاتي وتجديد قياداته. المؤتمر الاستثنائي، كما طالبت الليلة، هو خطوة لإعادة الحزب إلى الواجهة السياسية وإعادة هيكلته بما يتناسب مع التحديات الحالية. رغم الأصوات المعارضة التي ترى أن انعقاد المؤتمر في ظل الظروف الحالية قد يكون مغامرة، إلا أن تاريخ الحزب الاشتراكي يعلمنا أن التغيير والتجديد ضرورة ملحة عندما يواجه الحزب ركودًا أو تراجعًا. العديد من الرفاق يؤيدونني في هذه الخطوة، مشيرين إلى أن بقاء القيادة الحالية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية.

إن من أهم ما يحتاجه الحزب الاشتراكي اليمني في الوقت الحالي هو النقد الذاتي البناء. النقد الذاتي ليس فقط لمحاسبة القيادة الحالية على أدائها، بل لتقييم مسار الحزب بشكل عام منذ الوحدة اليمنية وحتى اليوم. الحزب الاشتراكي، هو حزب الحركة الوطنية اليمنية، وعليه أن يعيد تقييم دوره في التحالفات السياسية التي دخلها، مثل انضمامه إلى "اللقاء المشترك"، وما إذا كان ذلك التحالف قد أفقده جزءًا من هويته واستقلاليته.

وفي ظل الظروف الحالية، يبدو أن الحزب الاشتراكي يقف على مفترق طرق. إما أن يستمر في الانكفاء والانقسام الداخلي، أو أن يتخذ خطوة جريئة نحو تجديد قيادته وإعادة هيكلته، ما سيتيح له فرصة لعب دور أكبر في مستقبل اليمن.

كذلك نرى أن انعقاد مؤتمر استثنائي عاجل ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو فرصة لإعادة بناء الحزب على أسس جديدة تتناسب مع التحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة اليمنية. الدعم الحكومي لعقد المؤتمر، كما نص عليه قانون لجنة شؤون الأحزاب، هو أيضًا ضرورة لضمان نجاح هذه الخطوة وإعادتها إلى السياق الوطني.

إن جماهيرنا الاشتراكية، وأيضًا القوى الوطنية في اليمن، تنتظر من الحزب الاشتراكي اليمني أن يعود كقوة سياسية مؤثرة. التحدي الأكبر للحزب هو مدى قدرته على ممارسة النقد الذاتي، وإعادة ترتيب أولوياته بما يتناسب مع طموحات الشارع اليمني. في ظل حالة الفوضى والفساد التي تعيشها البلاد، ثمة حاجة ملحة لقوة سياسية تستطيع إعادة بناء الثقة في العمل السياسي. الحزب الاشتراكي، بما له من تاريخ نضالي طويل، يمكن أن يكون تلك القوة إذا ما استطاع التخلص من القيود التي فرضتها عليه تحالفاته السابقة والتوجه نحو العمل المستقل.

إن إعادة بناء الحزب الاشتراكي تعني أيضًا العودة إلى الجماهير. وعليه، فإن الحزب بحاجة إلى استعادة اتصاله بالشارع اليمني، بخاصة في المناطق الجنوبية التي مازالت ترى فيه رمزًا للنضال ضد الاستبداد. الحزب الاشتراكي هو حزب الوحدة اليمنية الحقيقية، الوحدة القائمة على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وليس مجرد وحدة سياسية أو عسكرية، أو ضم الفرع إلى الأصل.. لا، إننا نرفض هذا المنطق.. المنطق الذي جعل حلم الوحدة اليمنية النقي يتحول إلى كابوس بفعل غشم مركزية الشمال اليمني على جنوبه.. لذلك يفترض بالحزب الاشتراكي اليمني أن يتبنى القضية الجنوبية، ويقولها بالفم المليان ليست هذه الوحدة التي حلمنا بها، ولذا نقف مع مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي، لماذا..؟ لأننا إذا كنا كاشتراكيين في الشمال كابدنا من التسلط الزيدي، فما بالكم برفاقنا الاشتراكيين في جنوب اليمن الحبيب!

لقد حمل الحزب الاشتراكي اليمني لواء التغيير الثوري في جنوب  اليمن، وكان رمزًا للنضال الوطني، عليه الآن أن يعيد اكتشاف دوره في اليمن الحالي الذي يمر بأزمات كبيرة. ما تحتاجه الجماهير من الحزب اليوم هو العودة إلى قيمه الأساسية: العدالة الاجتماعية، بناء الدولة المدنية، ورفض كل أشكال الشمولية والاستبداد.

إن الجماهير تنتظر من الحزب الاشتراكي اليمني أن يكون الصوت المدافع عن تلك القيم، وأن يقدم بديلًا حقيقيًا للتيارات السياسية الأخرى التي فشلت في تقديم حلول للأزمات الراهنة.

واليوم يقف الحزب الاشتراكي اليمني أمام تحديات مصيرية. المطالبات بعقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة وإعادة هيكلة الحزب، تعبر عن حاجة ملحة لإعادة بناء الحزب كقوة سياسية قادرة على مواجهة التحديات. من خلال النقد الذاتي والتجديد، يمكن للحزب أن يعيد اكتشاف دوره التاريخي بصفته حزب الحركة الوطنية اليمنية، وأن يلعب دورًا مهمًا في إعادة بناء اليمن كدولة مدنية ديمقراطية.

كنت قلت في صفحتي على الفيس بوك :

أطالب الحزب الاشتراكي اليمني بعقد مؤتمر عام استثنائي عاجل في العاصمة عدن لانتخاب أمين عام جديد للحزب وأمانة عامة جديدة. كما أطالب الحكومة بدعم المؤتمر كما ينص قانون لجنة شؤون الاحزاب بالاتفاق مع وزارة المالية، كما هو معتاد في دعم المؤتمرات العامة لجميع الأحزاب السياسية في البلد.. وأما عدن فتؤكد مرارًا على لسان زعيم القضية الجنوبية المناضل عيدروس الزبيدي، أنها لن تكون أبدًا مع الشمولية، وإنما رأسمالها الوحيد هو التعددية السياسية.. من يوافقني يقول: "نؤيد".

 

سكرتير تحرير صحيفة الثوري، لسان الحزب الاشتراكي اليمني

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً