صنعاء 19C امطار خفيفة

بنوك جديدة وتدهور اقتصادي: الجانب المظلم للقطاع المصرفي في اليمن

2024-09-26
بنوك جديدة وتدهور اقتصادي: الجانب المظلم للقطاع المصرفي في اليمن
البنك المركزي اليمني عدن (أرشيف)

شهدت عدن، خلال السنوات الأخيرة، تأسيس عدد كبير من البنوك والمصارف الجديدة، في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية متدهورة. هذا التناقض بين نمو القطاع المصرفي والأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد، يثير تساؤلات حول جدوى تحول شركات الصرافة إلى بنوك في وقت قصير.

في صنعاء، الوضع المصرفي أكثر سوءًا، حيث فرضت جماعة الحوثي على البنوك التجارية العاملة في مناطق سيطرتها، التخلي عن نظام الفوائد على الودائع، تحت مبرر محاربة الربا، والتحول إلى نظام البنوك الإسلامية ذات الحسابات الجارية، وبالتالي عطلت الوظيفة الرئيسية للبنوك وأصابتها بالشلل. وانعكس الأمر سلبًا على نحو مليوني مودع، كانوا يعتمدون على فوائد ودائعهم، فضلًا عن توقف أنشطة البنوك التي بدأت تبعاتها الكارثية تظهر مؤخرًا، بانعدام السيولة داخل عدد من البنوك التجارية واقترابها من حافة الإفلاس.

ما يشهده القطاع المصرفي اليمني في عدن وصنعاء، أوجد تناقضات تحمل في طياتها الكثير من الفوضى والإرباك، وتعقيدًا جديدًا لجهود توحيد الجهاز المصرفي المنقسم في اليمن منذ نحو ثمانية أعوام.

 

تكاثر البنوك

بالعودة إلى عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، تتكاثر البنوك والمصارف التجارية بصورة لافتة، وبذات الطريقة التي انتشرت فيها شركات ومنشآت الصرافة في المدينة الساحلية، خلال سنوات الحرب.

قبل الحرب التي شهدتها اليمن، العام 2015، كان هناك 15 بنكاً ومصرفاً تجارياً في عدن، تضاعف الرقم ووصل اليوم إلى 26 بنكًا ومصرفًا تجاريًا، أي بزيادة تجاوزت  73%.

وجدت "النداء" أن عددًا من البنوك الجديدة، كانت منشآت صرافة، وهي اليوم تمارس النشاطين معًا، بنك ومنشأة صرافة. هذا النوع من النشاط المالي مخالف للقانون، ويؤدي إلى مخاطر مالية واقتصادية كبيرة.

 

الدمج هو الحل

تعترف الجهات الرسمية بأن هذه الظاهرة "غير صحية"، لكنها وجدت بسبب ظروف الحرب. ويقول وكيل البنك المركزي اليمني بعدن، منصور راجح، إن البنوك التجارية السابقة عجزت عن القيام بواجبها، وتحولت ودائع الناس إلى شركات الصرافة، لذلك كنا بحاجة إلى بنوك جديدة في عدن.

 ويشير راجح، في حديثه لـ"النداء"، إلى أن البنك المركزي وضع معايير لتحول شركات الصرافة إلى بنوك، أهمها عدم الجمع بين النشاطين (نشاط شركة الصرافة ونشاط البنك)، مع منح شركات الصرافة المتحولة مهلة سنة لتصفية أعمالها كشركات صرافة. مؤكدًا أن السوق سيفرض عملية الدمج على البنوك الناشئة للتحول إلى بنوك كبيرة خاضعة للاكتتاب العام. ويكشف المسؤول الحكومي عن اعتزام بنكي عدن وحضرموت طرح أسهمهما للاكتتاب قريبًا.

 

أنشطة مالية غير مشروعة

الصحفي المهتم بالشؤون الاقتصادية، ماجد الداعري، يرى أن نمو القطاع المصرفي في أي بلد في العالم، هو دليل على النمو الاقتصادي، لكن الأمر يختلف في اليمن، إذ نشهد نموًا مصرفيًا في ظل تدهور اقتصادي حاد. ويعتبر ذلك مؤشرًا على وجود عمليات غسيل أموال وأنشطة غير مشروعة، مستدركًا في حديثه لـ"النداء": يمكن اعتبارها أيضًا نقطة أمل لتطوير العمل المصرفي والتجاري في بلد أوشك على الانهيار الاقتصادي الشامل.

 

تجريم العمل المصرفي

يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، الدكتور محمد علي قحطان، إلى أن انهيار النظام المصرفي وانقسامه بين سلطتين نقديتين، أدى إلى "تجريم العمل المصرفي" في البنوك التجارية بصنعاء، حيث تم اعتبارها "بنوكًا ربوية"، وإجبارها على التحول إلى نظام البنوك الإسلامية. هذا التحول أدى إلى إضعاف فروع البنوك في المحافظات الخاضعة لسلطة البنك المركزي في عدن، مما تسبب في تراجع حاد في نشاط البنوك التجارية وإرباك الأعمال المصرفية. البنوك فقدت قدرتها على الوفاء بالتزاماتها للمودعين، حيث جُمدت أرصدتهم وحُولت حسابات الودائع إلى حسابات جارية، مما أفقد المودعين حقوقهم من الفوائد.

ويقول قحطان في حديثه لـ"النداء" إن غياب قدرة البنك المركزي في عدن على مواجهة هذه الاختلالات أدى إلى انتشار شركات الصرافة في عموم المحافظات اليمنية، والتي بدأت بممارسة أعمال خارجة عن تخصصها مثل فتح الحسابات للمودعين، مما منحها سيولة نقدية كبيرة على حساب البنوك التقليدية التي تراجعت وحلت هذه الشركات بديلًا عنها.

ويضيف: هذا الوضع أدى إلى فوضى في ممارسة مهنة الصرافة، وبروز ظاهرة المضاربة بأسعار الصرف، الأمر الذي أسهم في ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني.

ويرى قحطان أن اشتداد الصراع بين سلطتي عدن وصنعاء، وانقسام الجهاز المصرفي، شرعن أعمال شركات الصرافة، وجعلها تتأقلم مع تباين السياسات النقدية في صنعاء وعدن، مما أدى إلى استمرار انهيار قيمة الريال اليمني، وتعميق الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن.

 

المُشرع الأعمى

وجهة النظر القانونية تنتقد الشروط المفروضة لتحويل منشآت الصرافة إلى بنوك تجارية، مثل إيداع مبلغ محدد في البنك المركزي. يرى المحامي والناشط الحقوقي نزار سرارو، أن هذا المبلغ "لا يغطي حتى ربع رأس المال للبنوك الكبرى عند التحول من الصرافة إلى بنك".

ويقول سرارو لـ"النداء": إذا كان رأسمال البنك مائة مليار ريال، فإن شركات الصرافة التي تتحول إلى بنوك تودع مبلغًا لا يتجاوز مليار ريال. ويضيف: هذا يشكل خطرًا على المواطن، لأنه يتيح عمليات النصب والاحتيال. بعض محال الصرافة تتحول إلى بنوك ثم تفر بودائع وأموال المودعين، كما حدث مع شركة الأمناء للصرافة في عدن، التي تبخر رأسمالها في ثوانٍ، ومازالت دعاوى المودعين ممن نُهبت أموالهم ضد الشركة، في المحاكم.

وينتقد سرارو القانون التجاري اليمني الذي يحصّن شركات الصرافة والبنوك الصغيرة في بعض الأمور، مثل دعاوى الصلح الواقي وإعلان الإفلاس. ويشير إلى أن القانون اليمني يظهر قاصرًا في هذه الجوانب، واصفًا المُشرّع بأنه كان أعمى عند تشريع هذه القوانين.

ويعتبر أن هذه الظاهرة تضر بالاقتصاد الوطني ومدخرات الفئات الصغيرة من المواطنين العاديين؛ لأنه إذا سُرقت أموال هذه البنوك، فإن المتضررين هم صغار المودعين، وليس مالكي البنوك.

ويختتم المحامي نزار سرارو حديثه بالإشارة إلى أن زيادة أعداد شركات الصرافة المتحولة إلى بنوك ناتجة عن التربح من الحرب وعمليات غسل الأموال التي تُمارس باحترافية.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً