يلعب اليمنيون لعبة الروليت الروسية المميتة على طرقاتهم، يوميًا. فكل 36 دقيقة، تقطع حوادث المرور حياة يمني. وبينما تكافح البلاد في مواجهة حرب أهلية مرئية، يحتدم صراع غير مرئي: مذبحة يومية على الإسفلت. وخلف عجلة القيادة التي تقود هذه المذبحة، تكمن حكومة غضت الطرف عن أزمة مميتة مثل أية حرب.
كان أحمد فوزي، الأب البالغ من العمر 36 عامًا، الضحية الأخيرة. أثناء رحلة روتينية لشراء البقالة، صدمته سيارة مسرعة في شارع الستين، وهو مصيدة موت سيئة السمعة في العاصمة. كانت رحلته إلى الموت مروعة بقدر ما كان من الممكن منعها. ست ساعات. هذا هو الوقت الذي استغرقه الحصول على الرعاية الطبية الأساسية. رفضت المستشفيات، التي أعمتها الأرباح والفساد، قبول رجل يحتضر.
إن قضية فوزي تشكل مثالًا مروعًا لمأساة وطنية. ففي السنوات الخمس الماضية وحدها تضاعفت أعداد الضحايا من المشاة في صنعاء، حيث بلغ عدد القتلى والجرحى في حوادث الدهس 8 آلاف شخص. وهذه ليست حوادث، بل هي ضحايا حرب شنها الإهمال.
على مدى عقدين من الزمان، أودت حوادث المرور بحياة عشرات الآلاف من اليمنيين، وهو ما يفوق ضحايا العديد من النزاعات المسلحة. وتكشف الإحصاءات أنه بين عامي 2000 و2009، تم الإبلاغ عن أكثر من 127 ألف حادث، أسفرت عن 24 ألف حالة وفاة و160 ألف إصابة، وخسائر مالية بلغت 64 مليار ريال (حوالي 340 مليون دولار). وبحسب دراسة فإن هذه الخسائر تكلف البلاد 2٪ من إجمالي ناتجها القومي السنوي.
ولايزال عدد الضحايا في تزايد مستمر. ففي عام 2022، تأثر أكثر من 15 ألف شخص. وشهدت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي تشكل 20% من أراضي البلاد و75% من السكان، أكثر من 12 ألف ضحية في 9 آلاف حادث. وتعد العاصمة صنعاء، مركز هذه الأزمة، حيث تمثل ما يقرب من 40% من حوادث المرور في البلاد.
لقد وقعت اليمن في حلقة مفرغة. فكل وفاة أو إصابة هي مأساة يمكن منعها. في هذا التحقيق، نستكشف الواقع المرعب لحوادث المرور في العاصمة صنعاء. ونفحص الأسباب الجذرية والعواقب المدمرة واللامبالاة القاسية من جانب الحكومة الحوثيين. ونكشف عن قصص الضحايا، وإخفاقات السلطات، والتدابير اليائسة المتخذة لمعالجة الأزمة. ونكشف كيف خلقت ثقافة الإفلات من العقاب، وتجاهل الحياة البشرية، والبنية الأساسية المتهالكة، والفساد، كوكتيلًا قاتلًا.
شرك قاتل
صنعاء، المدينة التي لا تشكل سوى 0.02% من مساحة اليمن الشاسعة و12% من السكان، اكتسبت تمييزًا قاتمًا: فخ الموت. ففي عام 2022، شهدت شوارعها 4065 حادثًا مروريًا: حادث واحد كل ساعتين. ويمثل هذا 40% من إجمالي ضحايا حوادث الطرق في اليمن. ووفقًا لإدارة المرور في العاصمة، فإن السرعة هي الجاني الرئيسي.
تاريخيًا، كانت "السرعة المفرطة" مسؤولة عن 60-90% من حوادث المرور على مستوى البلاد، وفق التقارير الرسمية. لكن شرطة المرور "لا تصدر مثل هذه المخالفات إلا بعد وقوع الحادث"، كما يكشف فايز عبدالله، وهو شرطي مرور يتمتع بخبرة تزيد عن 20 عامًا في العاصمة. ومع ذلك، فإن المشكلة أعمق من القيادة المتهورة أو الإهمال المروري.
في حين ينص قانون المرور، على سرعة قصوى تبلغ 100 كم/ساعة للمركبات الآلية على الطرق الطويلة، فقد أهمل تخصيص حدود السرعة في المناطق الحضرية والريفية والطرق السريعة. وقد أدى هذا الافتقار إلى لوائح سرعة وطنية موحدة، إلى ترك السلطات المحلية لتحديد حدود السرعة ووضع علامات المرور وفقًا لتقديرها، مما يؤدي غالبًا إلى الارتباك والتناقضات والتجاهل. ويعتقد فايز أن تحديد سرعة وطنية وتنفيذ رادارات لمراقبتها، أمر ضروري لتحسين السلامة المرورية.
ويزيد سوء التخطيط الحضري والفشل النظامي من تفاقم آثار حوادث المرور. وقد ظهر ذلك بجلاء في شارعي الستين والسبعين، أوسع شوارع صنعاء، حيث تصطدم سيارة كل سبع ساعات، مما يؤدي إلى الإصابات والوفيات. لقد أصبحت هذه الشرايين، المصممة كطرق سريعة، قنوات للموت. ففي عام 2022، كانت مسؤولة عن 1300 حادث، تسببت في وفاة 70 شخصًا وإصابة 900 آخرين، معظمها في الستين.
وشهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الحوادث المروعة المميتة على هذه الشوارع، بما في ذلك الاصطدامات الجماعية والإصابات. ففي الأول من يونيو 2022، كاد حادث دهس مدمر على شارع الستين الغربي أن يقضي على عائلة هاني مشرف بينما كانت تقف على الرصيف بانتظار الباص. لقد فقدت زوجته وابنته البالغة من العمر تسع سنوات، حياتهما بشكل مأساوي، بينما أصيب ابنه وديع هاني (4 سنوات) إصابة بليغة أدخلته العناية المركزة لأشهر. وأودى حادث مأساوي آخر في شارع السبعين بحياة عائلتين، هما عائلتا السنيدار والأعرج، اللتان تضمان ثماني نساء وأطفال، عندما اصطدمت مركبتهما بكتل خرسانية بعد أن صدمتها دراجة نارية مخالفة، وقد توفي سائقها أيضًا. وكان الحادث الثالث شديدًا لدرجة أنه أدى إلى انشطار سيارة إلى نصفين. ورغم أن السرعة الزائدة تشكل عاملًا مساهمًا، يؤكد المهندس بوزارة الأشغال العامة والطرق عصام ياسين، أن عدم وجود إجراءات السلامة على هذه الطرق، هو السبب الرئيسي وراء هذه الحوادث.
لقد تحول شارع الستين، الذي صُمم أواخر التسعينيات، كطريق دائري بطول 20 كيلومترًا على مشارف العاصمة، إلى مزيج فوضوي من السيارات والمشاة والتجارة والخدمات الأساسية. ووفقًا لياسين وفايز، فإن "غياب تدابير السلامة الأساسية، مثل معابر المشاة والجسور والأسوار ومطبات السرعة وغيرها، يؤدي إلى خلق وصفة لكارثة".
خلال العقدين الماضيين، تجاوز التوسع العمراني في صنعاء وتيرة تطوير البنية التحتية. ورغم نمو العديد من الأحياء السكنية الجديدة حول طريق الستين، إلا أن حلبة سباق السيارات السريعة لاتزال قائمة، مما يحول هذه المناطق المزدحمة إلى مناطق عالية الخطورة. ورغم تقديم إدارة المرور دراسة تحليلية حول أسباب الحوادث إلى "حكومة الإنقاذ" الحوثية، قبل أكثر من ثلاث سنوات، حددت فيها "النقاط السوداء" التي تقع فيها الحوادث بشكل متكرر، إلا أن نتائج إدارة المرور وتوصياتها بإصلاح الاختلال في الطرق، قوبلت بالصمت، وفق تصريحات مدير عام المرور لدى الحوثيين العميد بكيل البراشي.
كانت عواقب التجاهل الحكومي وخيمة، إذ تسببت ثلاث بقع سوداء فقط -جسر مذبح وسوق الخضار وجسر السنينة- على الجانب الغربي من شارع الستين، في حوالي نصف إجمالي حوادث المرور في مديرية معين، التي تمثل 25% من حوادث العاصمة. وخلال عام 2022 وحده، شهدت 976 حادثًا، أسفرت عن 32 حالة وفاة و957 إصابة، بينهم 200 طفل، وفقًا لتقرير حديث صادر عن إدارة مرور العاصمة. ويؤكد الخبراء أن هذه ليست حوادث، بل جرائم ضد الإنسانية، ونتيجة مباشرة لفشل التخطيط الحضري.
ويمر الجزء الغربي من الستين، على طول خمسة كيلومترات، عبر عدد من الأحياء السكنية، بينها اثنان من أكثر أحياء العاصمة ازدحامًا وفقرًا. ورغم خطورته، لا يوجد سوى ثلاثة جسور للمشاة، وهي متباعدة وغير كافية، ما يعزز من تزايد حوادث الدهس باستمرار. وكان من المفترض أن يصاحب نمو هذه الأحياء تدابير السلامة، مثل أنفاق وجسور مدروسة للمشاة، والأسوار العالية، والتحويلات الآمنة، وإشارات التوقف، وحدود السرعة المناسبة، كما يؤكد ياسين وآخرون. لكن سلطات الحوثيين أزالت بعض المطبات، ولم تفرض مخالفات السير، ما فاقم المشكلة. ويضطر سكان هذه الأحياء، ومنهم نادر زكريا، إلى المخاطرة بعبور الشارع يوميًا، "متجنبين السيارات كالرصاص"، بينما ينحرف السائقون، الذين غالبًا ما يكونون تحت تأثير القات، بتهور.
منذ افتتاح شارع الستين في عام 2000، تضاعف عدد المركبات أربع مرات، بينما ظلت شبكة الطرق على حالها إلى حد كبير. وقد أدى هذا إلى حصيلة كارثية: 76 ألف حادث، و6 آلاف حالة وفاة، وأكثر من 67 ألف إصابة في العاصمة. وفي حين يُلقى اللوم على السائقين والمشاة المتهورين، فإن الواقع أكثر شرًا. ووفقًا لتقديرات المهندس، فإن 70% من شوارع العاصمة تعاني الآن من مشاكل التخطيط.
وأكد بكيل البراشي أن الازدحام المروري له أسباب متعددة، تتعلق بـ"موقع المنشآت، ضعف البنية التحتية، انعدام المواقف، انتشار الأسواق عشوائية وغيرها، تنظيم عمل الفرز، وهي مسؤولية الأشغال وليس المرور، زيادة تدفق السيارات، انتشار البسطات وسط الطرق... وكلها ليست من اختصاص المرور، بل جهات أخرى.
شبكة محطمة وأموال بلا أثر
قبل أن يدفع تمرد الحوثيين اليمن إلى الفوضى، كانت طرقها بالفعل بمثابة تحدٍّ خطير، حتى بالنسبة للسائقين الأكثر خبرة. ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية عن حالة السلامة على الطرق لعام 2015، إلى أن معدل الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في اليمن، بلغ 21.5 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة.
في عام 1995، أنشأ اليمن صندوق صيانة الطرق لمعالجة نقص التمويل المزمن للبنية الأساسية للطرق. ومع ذلك، بعد عقدين من الزمان، كان إرث الصندوق مليئًا بخيبة الأمل والفشل. وعلى الرغم من موافقة البرلمان على زيادة ضريبة الوقود بنسبة 5٪ في عام 2000، لم يتم تنفيذ القانون، مما أدى إلى عواقب وخيمة. بحلول عام 2012، كان لدى الصندوق تراكم يبلغ 16000 كيلومتر من الطرق التي تحتاج إلى صيانة. بيد أن اعتماد الحكومة على ميزانيتها الخاصة لتمويل الصندوق، حد من الموارد وأعاق الإصلاحات.
على سبيل المثال، في عام 2007، خصصت الحكومة لإصلاح الطرق 25 مليون دولار فقط، وهو مبلغ أقل كثيرًا من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ الذي اعتبره البنك الدولي ضروريًا للحفاظ على طرق اليمن في حالة جيدة.
ورغم وجود لحظات من الأمل، مثل موافقة الحكومة على زيادة الضرائب على الوقود في عام 2012، وموافقة البنك الدولي على منحة قدرها 40 مليون دولار في عام 2013، فإن الانقلاب الحوثي في عام 2014 أفسد هذه الجهود، وحال دون الاستفادة من هذا التمويل. واستخدم الحوثيون زيادة أسعار الوقود المقترحة كذريعة لثورتهم، لكن الأحداث اللاحقة كشفت عن نواياهم الحقيقية.
ألحق الصراع أضرارًا وخيمة وواسعة بشبكة الطرق في اليمن، فقد أدى القصف والهجمات المدفعية والألغام الأرضية إلى إغلاق الطرق الرئيسية، مما أجبر المدنيين على اتخاذ طرق التفافية خطيرة وقاتلة. وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة، رفعت سلطات الحوثيين أسعار الوقود مرارًا وتكرارًا دون أي التزام بتحسين الطرق.
وبين عامي 2015 و2018، تعرضت آلاف الكيلومترات من الطرق للدمار أو الأضرار البالغة، بحسب تقارير وزارة الأشغال العامة والطرق بصنعاء، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي في عدن. وقدرت تدمير 46 طريقًا رئيسيًا و99 جسرًا، وتضرر ما يقرب من 6000 كيلومتر من الطرق. وقدر البنك الدولي أن ما بين 5000 و6000 كيلومتر ستحتاج إلى إعادة تأهيل. وقدرت تكلفة إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في البلاد خلال هذه الفترة وحدها، بنحو 1.4 مليار دولار و1.3 مليار دولار. وتوقع البنك الدولي أن تبلغ تكلفة إعادة بناء البنية التحتية للبلاد نحو 600 ألف دولار.
ويمتد الدمار الذي خلفته الحرب إلى ما هو أبعد من الأضرار المادية. فقد توقفت أعمال الصيانة الروتينية، الأمر الذي تسبب في تدهور حالة الطرق تحت وطأة الضغوط. كما أدى الافتقار إلى تشييد طرق جديدة، وتعطل إشارات المرور، وتعطل إنارة الطرق، إلى تفاقم الوضع.
رغم ذلك، أهملت السلطات معالجة الأزمة، متحججة بالصراع ونقص الموارد. لكن المشكلة أعمق من ذلك. فقد أعاق تجاهل السلطات الحوثية للأرواح البشرية، وإهمالها، والفساد المستشري، تعافي اليمن. لقد اقتصرت تدخلاتها على الاستجابة الطارئة بحدها الأدنى، وأهدرت ملايين الدولارات من المساعدات الدولية على حلول سطحية وغير فعالة، وفقًا لعصام ياسين.
في عام 2019، قدم البنك الدولي منحة بقيمة 1.9 مليون دولار لمشاريع صيانة الطرق الحضرية في صنعاء، من بينها حوالي 700 ألف دولار لصيانة شارع الستين. وفي حين أدت هذه الجهود إلى تحسين حالة الطرق، إلا أنها لم تقلل من حوادث المرور. وقد شكلت السرعة المتزايدة وعدم مراعاة معايير السلامة تهديدات أكبر للمشاة. وانتقد ياسين مسؤولي الوزارة لتجاهلهم آراء الخبراء، وإشراك أفراد غير مؤهلين في التخطيط والصيانة، مما يسهم في استمرار الأزمة على الطرق.
في سبتمبر 2020، صرح وزير النفط أن متوسط الاستهلاك اليومي من الوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بلغ 10 ملايين لتر، بتكلفة سنوية تزيد عن 3.6 مليار دولار. ويفترض أن يترجم ذلك إلى رسوم خدمة الطرق التي يتم جمعها للصندوق، والتي تم تحديدها بنسبة 5٪ من قيمة كل لتر، والتي تبلغ أكثر من 182.5 مليون دولار سنويًا. لكن هذا لم يحدث. يزعم خبراء الاقتصاد أن الدافع الحقيقي هو إثراء قادة الحوثيين وتمويل المجهود الحربي بدلًا من تحسين طرق البلاد.
وفي مجتمع تهيمن عليه الثقافة القدرية والغيبيات في ما يتعلق بحوادث المرور، يواجه رجال المرور صعوبات في إقناع صناع القرار بأهمية إشراك خبراء المرور في تخطيط وصيانة الطرق وإصدار تراخيص البناء أو المشاريع. ويقول بكيل البراشي، أحد مسؤولي المرور، إنه على الرغم من سنوات من الدعوة إلى الحلول والإصلاحات الفنية، لايزال المسؤولون الحكوميون يعتبرون متطلبات السلامة المرورية من الكماليات، "ومكاتب الأشغال مازالت تمنح تراخيص دون العودة إلى شرطة المرور". معتبرًا تهميش موافقة المرور ووضع توقيعها في ذيل الإجراءات المطلوبة لمنح المستثمرين تراخيص تأسيس مشروع جديد، يجعل المرور في "موقف ضعيف، ويتهمون بالابتزاز في حال عدم موافقته على الموقع، خصوصًا بعد خسارة المستثمر ملايين الريالات".
إنجازات وهمية
للحد من الحوادث في العاصمة، ردّت السلطات الحوثية بسلسلة من التدابير اليائسة والتجميلية، منذ العام 2019: إغلاق التقاطعات، وفرض حدود للسرعة، وتركيب كاميرات مراقبة، وحظر استخدام الدراجات النارية. ومع ذلك، لم تفعل هذه التدابير الجزئية الكثير لتهدئة المذبحة، بل إنها في الواقع أدت إلى تفاقم المشكلة. فمن خلال إجبار حركة المرور على طرق بديلة، تفاقم الازدحام، وارتفع استهلاك الوقود، وانخفضت الإنتاجية بشكل حاد، وفق زكريا وياسين وآخرين.
ويرى سكان صنعاء أن هذه الإجراءات مجرد إيماءات فارغة، تهدف إلى تهدئة الغضب الشعبي بدلًا من حل المشكلة. وفي الوقت نفسه، يمتد التهديد حتى إلى المناطق غير المأهولة بالسكان. ففي عام 2020، تسبب سائق دراجة نارية في حادث اصطدام مميت بسيارة بكتل خرسانية في ميدان السبعين، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخر. وفي 20 فبراير 2021، وقع حادث مماثل في نفس المكان، مما أسفر عن وفاة مأساوية لعائلتين كاملتين، 8 نساء وأطفال.
وبينما اعتبرت السلطات أن سائقي الدراجات النارية هم السبب الرئيسي في هذه الحوادث، فإن الكتل الخرسانية التي تفصل شارع السبعين إلى حارتين تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم خطورتها، وتزيد من احتمالات الوفاة، وفقًا لياسين وفايز. فقد أصبح ميدان السبعين، الذي كان في السابق ساحة للاستعراضات والاحتفالات، ورمزًا للفخر الوطني، واحدة من أكثر البؤر قتامة لحوادث السير في العاصمة. ويقول ياسين إن افتقاره إلى الحواجز والإشارات المرورية والعلامات التي تحدد الحارات، أسهم في زيادة خطورته. كما ضاعفت "الحلول القاتلة" المتمثلة في فصلها إلى حارتين باستخدام الكتل الخرسانية وإنشاء تحويلات دون معايير السلامة، من خطورتها، حد وصفه.
ولم يكتفِ الحوثيون بإهمال معايير السلامة، بل عملوا على إنشاء مزار لأحد رموزهم في هذه المنطقة التاريخية، الأمر الذي أدى إلى تحويلها إلى مزار سياسي مفتوح وسوق مزدحمة، مما فاقم المخاطر التي تهدد السيارات والمشاة، وزاد من حوادث الدهس.
في أكتوبر 2023، صدر إعلان مروري يحدد حدود السرعة عند 50 و60 كيلومترًا في الساعة على شارعي 60 و70 على التوالي، مع تطبيقه بواسطة كاميرات ورادار المراقبة. ولكن بمرور حوالي عام، شهد الجزء الغربي من شارع الستين، وتحديدًا عند نقطة جسر السنينة، وفاة مأساوية لأحمد فوزي وعلي المغربي وثلاث نساء، وإعاقة أسماء عبداللطيف (12 عامًا)، وهذه مجرد أمثلة على الخسائر البشرية الناجمة عن حوادث الدهس من منطقة سكنية صغيرة واحدة، وهي دليل على عدم فاعلية قرارات السلطات الحوثية.
تتزايد الحوادث المميتة على طول شارع الستين. ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 فقط، وقع 16 حادثًا مميتًا على هذا الشارع الرئيسي، مما أسفر عن مقتل وإصابة 34 شخصًا، بمن في ذلك الأطفال الصغار والطلاب والعاملون في المجال الطبي، وفقًا لإحصائية أعدها كاتب التحقيق من البلاغات الأهلية.
السرعة المفرطة هي القاسم المشترك بين هذه الحوادث المأساوية. فعلى الرغم من تحديد السرعة القصوى بخمسين كيلومترًا في الساعة، يواصل السائقون تجاهل السلامة العامة، وتجاوز مصائد السرعة الوهمية، غافلين عن التهديد الوشيك بالموت أو حتى المخالفة، وسط تشكيك واسع النطاق بحقيقة تركيبها، وجهل عام بقرار السرعة، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة. ففي شهر مايو، أدى تصادم مروع بالقرب من دار الرئاسة إلى وفاة أم وابنتها وإصابة ثلاث فتيات أخريات بإصابات خطيرة.
ويتعلق الحادث الأخير، في الثامن من سبتمبر، بباص صغير صدمته سيارة قفزت على الرصيف من الشارع العكسي، مما أدى إلى مقتل ثلاث طالبات جامعيات، وإصابة ثلاثة آخرين. وتتركز هذه المآسي في ست نقاط محددة على امتداد شارع الستين، وهي جسر السنينة، وجسر مذبح، وسوق الخضار، وجولة الولاعة، ومقابل إكسبو، وجسر الرئاسة.
إن عواقب الطرق المتهالكة في اليمن تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد خسارة الأرواح. فقد أصبحت حوادث الطرق تشكل أزمة صحية عامة كبرى. ففي العاصمة صنعاء، ارتفعت الوفيات الناجمة عن حوادث المرور المبلغ عنها بنسبة 41% بين عامي 2015 و2022. ولم يُبدِ نظام الحوثيين، المنشغل بالحرب والإثراء الذاتي، أي اهتمام يذكر بسلامة مواطنيه.