لو تجرأ غربي وكتب بأن نتنياهو يحكم العالم، لقامت قيامة الصهيونية العالمية التي يسوس نتنياهو العالم نيابة عنها، واتهم بمعاداة السامية ونشر الكراهية ضد اليهود، ورفعت ضده قضية في المحاكم، وانتفض المبعوثون الخاصون لمراقبة ومحاربة العداء للسامية، وعلى رأسهم الصهيونية الأمريكية ديبواره ليبستات ونظراؤها في العديد من الدول الغربية، وقمع حرية الكاتب المطلقة في التعبير إلا في ما يخص اليهود.
لا غرابة إذن أن يسجن أكثر من شخص في ألمانيا لرفعهم علم فلسطين، لأن هذا عداء للسامية. وفي أمريكا يوصف طلاب الجامعات الذين يناهضون الحرب على غزة والاحتلال، ويهتفون مطالبين أيضًا بإنهاء احتلال إسرائيل لأمريكا، بالعداء للسامية.
في أوطاننا المحايدة لا أحد يهتم بما نكتب عن فاشية إسرائيل التي لا تتجاهل ما يكتبه العرب، ولكنها لا تعيرهم نفس أهمية من يكتب عنها في الغرب، لأننا لانزال كما وصفنا السيناتور روبرت كنيدي المقتول عام ١٩٦٨، ننبح ولا نعض.
إسرائيل أمرت أمريكا المحتلة بإنشاء مؤسسات لتتبع معاداة السامية في العالم، وقد فعلت مثلها عشرات الأحذية الحليفة. من مهام هذه المؤسسات التي أنشئ أولها عام ٢٠٠٤ في أمريكا المحتلة، محاربة من يزعم بأن اليهود يحكمون العالم رغم أن شارون قال عام ٢٠٠٣ إن إسرائيل تحكم أمريكا، ولم يستنكره أحد في أمريكا نفسها، وتعديل مناهج التعليم العربية بالذات توطئة لقبول إسرائيل والتطبيع معها بغض النظر عن أنها لاتزال محتلة لفلسطين، لأن الاحتلال في الغرب أمر ثانوي.
غزة تدمر يوميًا، والغرب في معظمه متواطئ. وعندما سئلت رئيسة وزراء إيطاليا عن غزة، قالت اسألوا عمن هو السبب، في تشجيع صريح بأن على إسرائيل ألا تتوقف عن القتل والتدمير، وأن إيطاليا التي لايزال العرب يستوردون سياراتها ومنتجاتها ولا يعاقبونها أو حتى يعاتبونها، تقف مع العدوان.
قطاع غزة يواجه على مدار الساعة منفردًا أقوى جيش في ما يسمى "الشرق الأوسط" بطياراته الأمريكية الأكثر قدرة على التدمير والقتل، وبمدفعيته وبدباباته الأمريكية، وبسفنه الحربية وبذخيرته الأمريكية والبريطانية والغربية ومسيراته، وموساده ومستعربيه، منذ أكثر من عشرة أشهر. كل هذه الأسلحة موجهة إلى مليونين وربع المليون مدني، مخصومًا منهم ثلاثون ألف مقاوم، محاصرون من قبل إسرائيل منذ ثمانية عشر عامًا، وأصبح غير معني بمصيرهم أشقاء كان يؤمل أن يكونوا دائمًا في صفهم ظالمين أو مظلومين، كما تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها مع الدولة التي تحتلهم، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتنكر على الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال والعيش بكرامة وأمان مثلهم.
زمن نتنياهو ليس غربيًا فقط، بل عربي أيضًا، فقد تحدى كل قرارات القمم العربية منذ عام ١٩٤٥ وحتى عام ٢٠٢٤، ومنها مبادرة السلام العربية التي احتوت على أكبر تنازل في تاريخ ما كان يسمى "الصراع العربي -الإسرائيلي".
اليوم الفاشي رمز الصلف الاستعماري الوزير العنصري بن غفير، هو أول وزير دولة استعمارية في التاريخ يُسلِّح المستعمِرين لقتل الفلسطينيين وبث الرعب اليومي بينهم، لكي يلزموا بيوتهم، ولا يرفعوا حتى علم فلسطين الذي يمثل نسفًا للاحتلال لتعبيره عن هوية الأرض والسكان، وبالذات في يوم مظاهرات العلم السنوية الصهيونية في يونيو من كل عام في القدس العربية المحتلة التي يرسل الفاشيست الصهاينة رسائل إلى العرب المطبعين والذين في الطريق والمتطلعين إلى التطبيع أو دخول بيت الطاعة الأمريكي. من شعارات هؤلاء في ١٥ يونيو ٢٠٢١ "الموت للعرب. دينكم مسخرة. العربي ابن زنا". وفي العام التالي قالوا وكل هذا نقلته وسائل الإعلام، ولم يخفَ على من كانوا في الماضي معنيين بالأمر: "فلسطين ميتة. لا يوجد شيء اسمه فلسطين".
إن إسرائيل الرسمية والشعبية لاتزال ترى أن كل العرب أعداء حتى المطبعين معها، مستندة إلى قوتها، وإلى الدعم الأمريكي اللذين يمكنانها من تجاهل أي قرار أو استنكار أو إدانة أورفض عربي لجرائمها في غزة.
الشعب الفلسطيني يخوض بصدور عارية وعقول مليئة بإرادة المقاومة وحق البقاء بكرامة على أرضه منذ ثمانية أكتوبر ٢٠٢٣، معركة مصير ووجود ضد كيان استعماري استئصالي مدعوم من كل الدول التي استعمرت دول العالم الثالث، وترى في إسرائيل ماضيها الاستعماري الذي لا تستطيع إعادة إنتاجه.
وختامًا أقول للعرب إن الاحتلال يمكن أن يصبح تاريخًا بوقوفهم العملي مع الشعب الفلسطيني قبل قدوم عهد ترامبياهو.