بات من المؤكد أن سلوك إسرائيل الهمجي الأخير في تصفية واغتيال قيادات المقاومة في غزة والضاحية الجنوبية، والذي وصل قبل أيام قلائل إلى اغتيال قيادات سياسية وعسكرية كبيرة مثل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، والرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر، وسبق ذلك اغتيال عدد من القيادات بصور وأشكال مختلفة، في فلسطين وسوريا ولبنان، لهو أمر يوكد أن حكومة نتنياهو أصبحت في عجلة من أمرها تريد تحقيق انتصارات معنوية بعد هزيمتها العسكرية في غزة ورفح وجنوب لبنان، وفي محاولة لتطمئن سكان الكيان الغاصب بأنها تحقق انتصارات تشفع لها في إمكانية مواصلة الحرب وتوسيع رقعتها، غير مدركة أنها، ومن خلال هذا الفعل الإجرامي، إنما تؤدي الطقوس الأخيرة التي تشبه رفسات التيس الذي ينازع الموت في لحظاته الأخيرة والعصيبة.
إسرائيل لا تريد الانسحاب من غزة، لأنها تعتبر ذلك هزيمة قبل تحقيق أهدافها في الحصول على الأسرى، وغيره من الأهداف، رغم أنها تدرك أنه من غير الممكن تحرير الأسرى عبر العملية العسكرية التي أثبتت فشلها، وأي أهداف أخرى لن تتحقق، مثل القضاء على المقاومة، ومنعها من المشاركة في إدارة مستقبل غزة، كل ما حققته هو قتل ما يزيد على أربعين ألف طفل وامرأة وشائب، وتدمير المباني السكنية والبنى التحتية فوق رؤوس أصحابها، وهذا في المعادلات العسكرية لا يعتبر نصرًا، وإنما هو انتحار سوف يرتد عليها في القريب، وسوف يصبح ملفًا كبيرًا يطاردها بكل مكان في العالم كما يحدث الآن وفي المستقبل، وفي ضوئه سيتم نزع مخالبها وتحجيمها وتركها وحيدة كالمجذوب والمنبوذ.
إسرائيل لا تريد أن تعترف للشعب الفلسطيني بأي حق على أرضه، وفي ضوء ذلك تواصل حرب الإبادة الجماعية، وتسعى لتوسيع الحرب في المنطقة، وهذا الأمر سيقودها في كل الأحوال إلى الخسارة والموت المحتم، وسوف تتمنى لو أنها قبلت بحل الدولتين والعيش المشترك جنبًا إلى جنب مع دولة فلسطينية مستقلة، رغم أن العالم كله يدرك أن إسرائيل كيان احتلال ليس له أرض أو حق في المساحة الحالية التي يجثم عليها بالبندقية والمدفع منذ سبعة عقود ونيف، وأن الشعب الفلسطيني لن يموت، وسيبقى حيًا مدافعًا عن أرضه وكرامته.
على إسرائيل أن تدرك أن الذهاب إلى حرب واسعة في المنطقة يمثل خسارة وانتحارًا كبيرًا لها، وأن استمرار حرب الإبادة في غزة ورفح وغيرهما من المدن الفلسطينية لن يغير من الأمر شيئًا، لن يقود ذلك لتحقيق أي هدف من أهداف إسرائيل، لا القضاء على المقاومة، ولا القضاء على الشعب الفلسطيني، ولا تحقيق مشروعها من النهر إلى النيل، كل هذه الأهداف والمشاريع سقطت وسوف تسقط، وسوف يرتد هذا التهور والصلف عليها، وسيكون ضحيته الشعب اليهودي، وذلك بسبب جماعة صهيونية عصبوية مارقة تعيش على الأوهام والأحلام الكاذبة.
في لبنان الوضع متوتر على الحدود مع إسرائيل، وانزلاق الأمور إلى حرب شاملة ومباشرة فإنها لن تكون كسابقاتها مطلقًا، لأن حزب الله أصبح مؤهلًا وقادرًا على إلحاق الضرر الكبير بالكيان الصهيوني، وإعادته عقودًا إلى الوراء، ناهيك عن كون الحرب الشاملة سوف تفتح المجال أمام الجميع للالتحاق بها، كحركات ودول المقاومة والممانعة، فضلًا عن المجاهدين العرب والمسلمين من مختلف دول العالم، وهذا سوف يعقد المشهد والوضع كثيرًا، وستجد إسرائيل نفسها غارقة في مستنقع كبير كما هو حال من يدعمها مثل أمريكا وبريطانيا.
الوضع خطير جدًا، لكنه مبشر لحركات المقاومة، والأمة العربية والإسلامية، بنصر عظيم انتظرته طويلًا، ومع أننا في الواقع ضد الحروب، ونأمل أن نسهم ويسهم الجميع في قادم الأيام بوضع حد لها، وأن يعيش الجميع في سلام دائم دون حروب ودون احتلال وتوسع، إلا أن حكومة إسرائيل ترفض ذلك، وتأبى إلا أن تقود المنطقة كلها لانفجار عظيم ستكون هي أول الخاسرين فيه، وهذا يتطلب منا الإشارة إلى أننا فعلًا في آخر الزمان، حيث تتلاشى الأحلام الصهيونية، وينقلب السحر على الساحر.