في البداية لا بد من توجيه تحية واجبة للأخ اللواء الركن علي ناجي عبيد، على قراءته للكتاب وتعليقاته الهادفة وملاحظاته القيمة، والتأكيد له بأن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، وأنني أتفق تمامًا معه بما قاله من أن "التاريخ ملك للجميع، ومن الواجب تدوين وقائعه كما وقعت حينها بعيدًا عن العواطف من الحب والكره، ووضعها على طاولة التشريح للتحليل الدقيق، ليأتي من يستطيع القيام بذلك إذا لم نستطع أداء هذه المهمة، أي التحليل كما ينبغي".
وانطلاقًا مما قاله فإنني لم أجد سببًا يجعله في قراءته لكتابي يقفز إلى ما سماه الاجتماع السداسي لتشكيل منظمة التحرير، ثم دمج منظمات التحرير والجبهة القومية، ويتجاهل مرحلتين سابقتين على حدوثهما على درجة عالية من الأهمية، وهما:
أولًا: اجتماع دار السعادة في فبراير 1963، وبإشراف مندوب عن الرئيس عبدالله السلال، ومندوب عن قيادة القوات العربية (المصرية)، والذي شاركت فيه كل القوى السياسية والتشكيلات العسكرية والقبيلة، بما فيها حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي وحزب الرابطة والجبهة الناصرية والتنظيم السري للجنود والضباط الأحرار والجبهة الوطنية المتحدة وجمعية الإصلاح اليافعي، وغيرهم، وتم الاتفاق على التهيئة والإعداد لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وأن يكون باسم جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، وأن تتحمل مصر العروبة مسؤولية التدريب والتسليح والإعلام، وهي العملية التي سميت "العملية صلاح الدين"، وتم تشكيل لجنة تحضيرية مهمتها:
1) إعداد وثائق العمل السياسي.
2) قيادة النشاط الوطني الراهن.
وتكونت اللجنة من كافة التشكيلات المشاركة بالاجتماع، بما فيها حزب الرابطة وحزب الشعب الاشتراكي، وكانت اللجنة من الإخوة: قحطان الشعبي، ناصر علوي السقاف، عبدالله المجعلي، محمد علي الصماتي، ثابت علي المنصوري، محمد أحمد الدقم، بخيت مليط، أحمد عبدالله العولقي، عيدروس حسين القاضي، علي محمد الكازمي، وعبدالله محمد الصلاحي.
ثانيًا: اجتماع أغسطس 1963 بقرية حارات بالأعبوس، والذي شاركت فيه سبع جماعات هي: حركة القوميين العرب والجبهة الناصرية والجبهة الوطنية المتحدة وتشكيل القبائل والتنظيم السري للجنود والضباط الأحرار وجبهة الإصلاح اليافعي والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، وتم تشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وكان ذلك تجاوزًا وخروجًا على ما تم الاتفاق عليه في اجتماع دار السعادة، وبغرض تفرد حركة القوميين العرب بالقيادة باعتبارها الأكثر قدرة والأدق تنظيمًا.
وقد استشهد الأخ علي ناجي عبيد بالحكمة القائلة "ليس كل ما يلمع ذهبًا"، ومعه كل الحق بصحة تلك الحكمة، وأسمح لنفسي هنا بالإضافة إليها إلى أن "ليس كل ما يكتبه الحاكم كتاريخ أثناء حكمه فردًا كان أو حزبًا، صحيحًا"، لأنه ينسب لنفسه ولحزبه كل الإيجابيات التي جرت أحداثها بالوطن قبل وصوله للسلطة وأثناءه، ويحمل خصومه كل التهم والسلبيات والأخطاء، بل قد يمارس التزوير وقلب الحقائق طالما وهو المنتصر، وأضرب مثالًا للتدليل على ذلك ما قام به نظام علي عبدالله صالح بإزالة صورة علي سالم البيض من مشهد رفع العلم الذي قاما به (علي وعلي) يوم 22 مايو 1990.
ويبدو أن أخي العزيز عندما كتب قد وقع تحت تأثير ما تمت كتابته من تاريخ في فترة حكم الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي خلال فترة حكمهما التي دامت حوالي 25 عامًا، إذ كتب التاريخ حينها من وجهة نظر الحاكم المنتصر.
وعمومًا لست أدري كيف تم احتسابه للفترة الزمنية بين تفجير ثورة 14 أكتوبر 1963 وتبني الجبهة القومية وتاريخ دمج منظمة التحرير والجبهة القومية، بقوله: "أي بعد ثلاث سنوات من تفجير الجبهة القومية للثورة المسلحة"، فالمدة الزمنية بين قيادة الجبهة القومية لثورة 14 أكتوبر وتشكيل منظمة التحرير في يوليو 1965، سنة وثمانية أشهر، ثم بين أكتوبر 1964 و13 يناير 1966 تاريخ الدمج، سنتان وثلاثة أشهر فقط.
وهنا يجب ملاحظة أن عشرة من أعضاء اللجنة التحضيرية التي تشكلت في اجتماع دار السعادة، وافقوا على الاندماج بجبهة التحرير، ولم يبقَ بالجبهة القومية منهم سوى قحطان الشعبي.
إن الحقائق التي ذكرتها عن اجتماعات دار السعادة وقرية حارات بالأعبوس وإعلان منظمة التحرير، ثم عملية الدمج بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير في 13 يناير 1966، لم أخترعها من عندي، وإنما نقلت مضمونها من كتب مؤرخ الجبهة القومية سعيد الجناحي، بالإضافة إلى أنها موجودة بكتاب الأخ علي ناصر محمد "ذاكرة وطن"، وتحديدًا في صفحة 238. وبالنسبة لمنظمة التحرير وجبهة التحرير فذلك من كتاب الأخ محمد سالم باسندوة "البداية نضال من أجل الاستقلال"، صفحة 150-151.
كما أود الإشارة هنا إلى أن السلطان محمد بن عيدروس والسلطان علي عبدالكريم العبدلي قد كان لهما موقف ضد الاستعمار البريطاني من قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وليس لهما أية علاقة بالجبهة القومية.
وفي ما يتعلق بما قاله عن الاجتماع السداسي بين الجبهة القومية والمخابرات البريطانية "إل إم آي سكس"، وجيش الاتحاد النظامي والشرطة المسلحة المعروفة بالارم بليس، فأود أن أقول له إنه ليس اجتماعًا سداسيًا، لكنه اجتماع اثناعشري، والذي حضره ثلاثة من كل طرف، وإن ذلك الاجتماع ليس من بنات أفكاري، وإنما قد سبقت الإشارة إليه في كتاب سالم بن حلبوب، ناهيك عن أنه قد ورد بمذكرات همفري ترفليان الذي كان مندوبًا ساميًا بريطانيًا في عدن، وإن الأحداث التي جرت ميدانيًا قد أثبتت صحته، حيث ترك للجبهة القومية السيطرة على إمارة الضالع وسلطنة الفضلي ومناطق أخرى في يونيو 1967، وعندما سيطرت قوات التنظيم الشعبي وجبهة التحرير على المنصورة والشيخ عثمان ودار سعد في أغسطس 1967، قامت الدبابات وطائرات الهليكوبتر البريطانية وقوات جيش الاتحاد بالهجوم عليها، كما أن طائرات الهوكرهنتر البريطانية قد قامت بقصف جيش التحرير بمجرد دخوله إلى كرش يوم 6 نوفمبر 1967، وهنا يجب التأكيد بأن ذلك ليس عمالة أو خيانة من قبل الجبهة القومية، كما قد يفهم البعض، وإنما هو التقاء مصالح سياسية.
وفي الختام، أرجو من الأخ اللواء الركن علي ناجي أن يثق بصحة ما قلته حول الانقلاب الذي حدث في يوم 5 نوفمبر بالتحالف العجيب والغريب بين اليسار الممثل بالبعث وحركة القوميين العرب، والقوى الرجعية والمشايخية من أعضاء مؤتمري حرض وعمران، فإن الذي تحرك هي قوات الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية والعاصفة، ولم تكن مصادفة أن يكلف بإذاعة بيان الانقلاب يحيى الشامي الذي أصبح في ما بعد عضوًا بالمكتب السياسي بالحزب الاشتراكي اليمني.
وكان كل من التيار الرجعي واليساري يريد الاستفادة من التيار الآخر تكتيكيًا للتخلص من الناصريين أولًا، ثم يقوم بالتخلص من شريكه بالتحالف، وكانت النهاية هي نجاح قوى التخلف، مما اضطر قوى اليسار للهروب إلى عدن.
وختامًا، أكرر شكري وتقديري لمبادرة الأخ العزيز اللواء الركن علي ناجي عبيد، بقراءته للكتاب، وكتابته كل تلك الملاحظات التي نشرتها بالحلقات الثلاث.. مع تحياتي.