الصراع على السلطة والثروة في اليمن يمكن مشاهدته بصورة واضحة هنا في منفذ الكمب -القصر؛ المعبر الوحيد الذي أعلن المتحاربون افتتاحه مؤخرًا، لتسهيل عبور المواطنين بين ضفتي مدينة تعز جنوبي غرب اليمن.
طرفا الحرب "قوات الشرعية" و"المسلحون الحوثيون" تقاسما هنا عند آخر متاريسهم أجزاء قصر الشعب الرئاسي، فيما حولت معاركهم فرع البنك المركزي المجاور للقصر إلى كومة ركام.
رسمت الحرب الكارثية أخاديدها، إذ أعاد المتحاربون براميل الحدود الشطرية إلى وسط المدينة عند نقاط تفتيش المواطنين، وكل طرف صبغ براميله بهويته الخاصة.
الهويات الجديدة التي أنتجتها سنوات الحرب يمكن رؤيتها هنا على أرقام المركبات وحتى لواصق خطوط النقل على الحافلات داخل المدينة الواحدة، فالحافلات القادمة من الحوبان تحمل صورة جامع الجند، فيما لواصق الحافلات في المدينة عليها صورة قلعة القاهرة. ليس هذا فقط، فإلى جانب العملات المختلفة طرأت مؤخرًا بطاقات هوية شرعية جديدة غير مسموح بعبور حامليها إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
منذ إعلان فتح منفذ القصر -الكمب المخصص لعبور المواطنين وسيارات النقل الصغيرة، ظلت جهود فتح منافذ اخرى ومسارات طرق أخرى، متعثرة حتى اليوم، ومازالت "معكومة" بالمتاريس والألغام والعبوات الناسفة، وبأكوام أتربة، ومسدودة بطرابيل في أماكن أخرى، وربما تحتاج إلى ضغوط "الكفيل"..!
عند الساعة السادسة مساءً، وهو الموعد اليومي الذي حدده طرفا الحرب لإغلاق المنفذ أمام العابرين، تتكدس عشرات السيارات، وتشهد النقاط بين الطرفين حالة استنفار.. يتدافع المواطنون بسرعة، العائلات يجرّون أطفالهم، ويركضون بسرعة. يشبه الحال هنا إرباك ما قبل الإفطار في شهر رمضان الفضيل، إذ تضطر الكثير من العائلات للبقاء إلى صباح اليوم التالي إن لم تتمكن من العبور في التوقيت المحدد.
رفقة السائق عبدالله، عبرنا من آخر نقاط تفتيش المسافرين التابعة للشرعية في منطقة الحوض، إلى آخر متراس عند الجهة الغربية للقصر الجمهوري.
قبل إعلان فتح المنفذ في تاريخ 13 يونيو، بقيت المنطقة الممتدة من مبنى المحافظة مرورًا بالكمب وأحياء الدعوة وبازرعة، شبة خالية من السكان، وكانت مناطق مواجهات دمرت كل شيء.
يشير عبدالله إلى منازل ومدارس حكومية ومستشفيات أهلية سويت بالأرض: وقعت هنا أشرس المواجهات التي دمرت كل شيء.. مساحة تمتد على 3 كيلومترات تحولت إلى ركام وغابات من الأشجار وحقول الألغام.
عند آخر النقاط استمر الجنود في التحقق من هويات العابرين، مع إجراءات تفتيش للمركبات والأمتعة. استمر ذلك حتى قرابة السابعة والنصف، موعد دخول آخر مركبة، إذ تحولت المنطقة إلى غابة مظلمة يصعب العبور فيها، مع انعدام وغياب الإنارة في المنطقة التي هجّرت الحرب سكانها، وكثير منهم توفي قبل أن يتمكن من الوصول إلى منزله.
تعبر منفذ القصر -الكمب 2500 سيارة بالمتوسط اليومي منذ افتتاح المنفذ، بحسب تأكيد أحد ضباط الشرطة العسكرية لـ"النداء".
تطلب فتح المنفذ من جهة الشرعية نفقات كبيرة، إذ تشير مصادر محلية لـ"النداء" إلى أن السلطة المحلية خصصت نحو 60 مليون ريال، ونحو 100 مليون أخرى مقدمة من الرئاسة، إلى جانب نفقات كبيرة تكفلت بدفعها مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، إذ تطلب نقل أطنان من الركام والسواتر الترابية من الطريق، ونشر أنظمة مراقبة وتجهيزات للتفتيش، بالإضافة إلى تعزيز ات عسكرية تمتد على مسافة كيلومترين على امتداد المنفذ.
كان محمد سعيد، سائق سيارة صالون، يخسر يوميًا نحو 100 ألف ريال تكاليف نقل الركاب عبر طريق الأقروض، للوصول إلى المدينة، أما الآن بفتح الطريق فلا تزيد تكاليف النقل عن 4 آلاف ريال فقط.
يتمنى سعيد في حديثه لـ"النداء" فتح مزيد من الطرقات لعبور المواطنين، والتخفيف من معاناتهم، ويطالب بفتح طرقات لعبور الشاحنات ومركبات نقل البضائع، مؤكدًا أن ذلك سيخفف من أعباء أجور نقل السلع، وسينعكس ذلك على أسعارها لصالح المواطن.
وفقًا لتقديرات الشرطة العسكرية للحركة اليومية، فإن المنفذ سيوفر يوميًا أكثر من 200 مليون ريال كانت تذهب تكاليف سفر عبر طريق الأقروض الوعرة، والتي يقطعها المسافرون في حدود 7 ساعات.
أين طريق الشاحنات..؟
يواصل السائق صلاح الرحال، رفع صوته عاليًا منذ سنوات، ناقلًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، معاناة السائقين، وتحديدًا سائقي الشاحنات، وما يتعرضون له من كوارث في الطرقات الفرعية والوعرة على امتداد تضاريس الحرب الكارثية في البلاد.
يقول الرحال إن الوقت المحدد لعبور السيارات في المنفذ الوحيد لا يكفي، مشيرًا إلى تكدس المواطنين ليلة الأحد.
ويضيف: تكدست العائلات في المنفذ، ونامت كثير من الأسر هناك، فلا مطاعم ولا دورات مياه، والحركة مزدحمة في المنفذ.
يأمل الرحال في تمديد فتح المعبر، وفتح طرقات للشاحنات. مضيفًا: اليوم البشارات تأتي لفتح طريق كلابة -فرزة صنعاء -جولة القصر، من طرف المدينة، وبدأت المعدات والشيولات بالعمل، وهذا بداية خير بإذن الله لفتح جميع الطرقات، لكن معاناة سائقي الشاحنات يجب أن تنتهي بتخصيص معبر في أسرع وقت ممكن.
جبايات على العابرين
يفرض الطرفان جبايات على عبور حافلات نقل الركاب بل تتساوي الجبايات بين الطرفين.
يقول عماد 40 عاماً سائق حافلة نقل ركاب لـ"النداء": ندفع للحوثيين 1500 ريال وللشرعية أيضاً 1500 ريال.
ويضيف: في الأيام الأولى كانت أجور النقل لاتزيد عن 1000 ريال للراكب الواحد وارتفعت اليوم بسبب الجبايات.
مدير عام مكتب النقل بعث بمذكرة إلى محافظ المحافظ نبيل شمسان، أشار فيها إلى فرض جبايات غير قانونية، على مركبات النقل في نقاط الشرعية.