نهار يوم14 يونيو الجاري شيع عدد من المسلمين في منطقة بيت غانم ،مدر أرحب محافظة صنعاء ،جثمان يحيى يوسف يعيش وهو واحد من ستة اشخاص هم مجمل من تبقى من أبناء الطائفة اليهودية التي وان شكلت جزءا من التاريح الحضاري لليمن الا أن اعدادها اخذت في التناقص تدريجيا خصوصا منذ نكبة 1948 .
على الرغم من التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على خلفية الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر الماضي ما بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس إلا أن قيم التعايش بين المسلمين واليهود في اليمن مازالت راسخة ولم تتأثر كثيرا بالمتغيرات السياسية والعسكرية.
ولقيت مقاطع فيديو توثق لحظات تشييع ودفن يحيى يعيش في مقبرة اليهود في منطقة أرحب، نشرها الناشط الإعلامي علي الموشكي ،استحسانا وتفاعلا من قبل عدد كبير من الناشطين المسلمين واليهود على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبرت مجموعة على موقع فايسبوك تطلق على نفسها اسم يهود اليمن ، قيام مسلمين بتشييع ودفن يحيى ، "عمل مؤثر للغاية ويعكس الوحدة والاحترام، لدى المجتمع المسلم في اليمن".
وبحسب المجموعة التي تنشر بالعربية والعبرية ويعتقد أن أعضاءها يقيمون خارج اليمن، فان تشييع ودفن مسلمين لجثمان يهودي يمني تُبرز "قوة الإنسانية والرحمة الدائمة التي تتجاوز الحدود الدينية".
"هيجة اليهود"
تسببت الحرب الاهلية التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب 21 سبتمبر 2014 في تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني وتحويل البلد الفقير الى كانتونات محكومة بجماعات مسلحة موالية لقوى إقليمية ودولية ،بيد أن ذلك لم يؤد الى اضمحلال التعايش.
وعلاوة على ارحب الواقعة شمال صنعاء مازالت عديد مناطق تقد م نموذجا للتعايش فعبر التاريخ "خضع اليهود لنفس العوامل والظواهر التي خضع لها المجتمع اليمني. ولم يعرف اليهود خاصة في الريف العزلة بل عاشوا وعملوا بحرية حيث أرادوا" حسب ما تؤكد ،كاميليا أبو جبريل، في كتابها "يهود اليمن: دراسة سياسية واقتصادية واجتماعية".
قي عزلة الهياجم ، مديرية شرعب الرونة محافظة تعز ، التي زارها معد التقرير مازال الأهالي محافظين على ممتلكات إخوانهم اليهود الذين هاجروا من المنطقة منذ عقود .ففي "الاجينات" و"هيجة اليهود" مديرية شرعب الرونة، القريتان اللتان سكنها اليهود قديما مازالت بقايا البيوت والمقابر حاضرة ولم تتعرض للاعتداء والنهب حسب ما يؤكد سكان في المنطقة.
وأفاد عدل منطقة قرى الأميريخ ووادي الماء بعزلة الهياجم الشيخ عبدالرؤوف الوهباني أنه وعلى رغم حاجة السكان للاحجار والأرض واتساع الزحف العمراني في المنطقة ألا أن ممتلكات اليهود لم تمس. ومازالت الآثار اليهودية موجودة في قرية الأجينات أما معظم آثار هيجة اليهود قد اندثرت بفعل الطبيعة،
يقول الشيخ الوهباني " لا يجرؤ أحد على التعدي على حقوق الآخرين أو التملك بحق الاخرين حتى ولو كانت مهملة، " موضحا أن الدواوين القديمة وقبور اليهود المجاورة لها مازالت موجودة،" لم يجرؤ أحد على نبش القبور أو المساس بها، حيث يتم احترام الميت كما أنه حي"..
وشرعب هي مسقط رأس الشاعر ورجل الدين اليهودي سالم الشبزي الموصوف بأمير شعراء يهود اليمن في القرن الـ17. وكان قبره الواقع بجوار قلعة القاهرة في مدينة تعز مزارا لليهود والمسلمين على السواء.
في 2021 أصدر "بيت الموروث الشعبي" في صنعاء " بالتعاون مع مع "مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر" في القاهرة، ديوان شعر يهود اليمن". الإصدار الذي جاء في جزئين حمل عنوانا فرعيا هو "ديوان الرِبّي سالم شبزي؛ أمير شعراء يهود اليمن في القرن الـ17، وشعراء آخرون".
وما زال الشبزي محل احتفاء في الأوساط الثقافية اليمنية التي ترى فيه رمزا من رموز التاريخ الثقافي لليمن وايقونة وطنية تعكس التعايش والتعدد.
في عام 2021 بثت فضائية الجمهورية التابعة لما يسمى بقوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي فيلما وثائقيا بعنوان " الشبزي .. حاخام صوفي من شرعب".
وتحظى أغاني يهود اليمن خصوصا تلك التي كتب كلماتها الشبزي، باعجاب كثير من اليمنيين. وكان المطرب اليمني حسين محب ظهر الى جانب المغني اليهودي من اصل يمني زيون جولان في حفلة مشتركة نظمت عام 2017في العاصمة المصرية القاهرة.
كما تعد رواية "اليهودي الحالي" للكاتب اليمني علي المقري من أبرز الاعمال الأدبية التي تناولت موضوع التعايش بين اليهود والمسلمين في اليمن.
برجوازية يهودية
تبينت الروايات حول تاريخ ظهور الديانة اليهودية في اليمن الا أن اغلب المصادر التاريخية تجمع تقريبا على اعتبار الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم . ومع ظهور الإسلام عومل اليهود باعتبارهم أهل ذمة والزموا بدفع الجزية مقابل عدم اشتراكهم في القتال .كما اقر الأئمة الزيديون قانونا يقضي بتكفل تبني أيتام اليهود وتربيتهم على تعاليم الإسلام إلا أن مسلمين دافعوا عن حق الأطفال اليهود اليتامى بالاستمرار على دين ابائهم.
وذكرت يهودية يمنية مسنة تقيم في إسرائيل في حوار نشرته صحيفة اورشليم بوست الإسرائيلية عام 2010 أن زوج جارتهم في صنعاء توفى فخشيت الاسرة أن يقوم أتباع الإمام بإجبار الأطفال على اعتناق الإسلام إلا أن جيرانهم من المسلمين حموا الأطفال وادعوا أنهم أطفالهم .
وعلى الرغم أن اليهود شكلوا اقلية صغيرة في المجتمع اليمني الا أنهم من الناحية الاقتصادية كانوا الأكثر ثراء واحتلوا المرتبة الثانية بعد افراد طبقة الهاشميين الحاكمة , فنظرا لطبيعة الثقافة الاجتماعية التي تعيب على القبائل العمل فقد اشتغل اليهود في الاعمال الحرفية والبناء وصياغة الذهب والفضة واحتكروا الاستيراد والتصدير كما كانت لهم محاكمهم الخاصة وأماكن عبادتهم وحتى العام 1930 بلغ عدد المعابد اليهودية في مدينة صنعا 39 معبدا مقابل 48 مسجدا حسبما يذكر باحثون .
ويكفي أن تكتب على محرك البحث جوجل اسم "حبشوش" لتظهر لك مئات النتائج التي تشير الى عائلة حبشوش اليهودية التي اشتغلت في التجارة وامتلكت ماركات تجارية مثل "عطر حبشوش" الشهير. كما كان حبشوش الرجل الثاني بعد الامام يحيى الذي يمتلك سيارة في وقت كانت صنعاء تخلو من السيارات.
كما يحظى حبشوش الاب (واسمه الحقيقي حييم بن يحيى بن سالم الفتيحي) باشادة مثقفين يمنيين لدوره في التصدي لماكتبه الرحالة الفرنسي اليهودي هاليفي عن اليمن وهو مايظهر جليا في الكتاب الذي أصدره في 1992 مركز الدراسات والبحوث اليمني بعنوان "رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي".
والحال أن توتر العلاقات بين الطوائف والمذاهب في اليمن كانت ولاتزال سياسية في المقام الأول .