قرأت في جريدة "الشروق" المصرية، يوم الأحد ٢٣ يونيو، خبر الحركة الدبلوماسية لعدد من السفراء المصريين بعد انقضاء عملهم في السفارات والمعينين الجدد. هؤلاء جميعًا من كادر وزارة الخارجية، ويخدمون لأربع سنوات بدون زيادة يوم واحد طبقًا للسفير والكاتب د. مصطفى الفقي.
عن دبلوماسيتنا، تجاوزًا، ليس بالجديد القول إن وضعها مؤلم ومحزن، ويسبب القنوط من حدوث أي تغيير يعيد لها مكانتها ولقانون السلك الدبلوماسي هيبته.
لقد انتكست الدبلوماسية اليمنية في الأربعين سنة الماضية، لضياع الحدود بين ما هو دبلوماسي وما هو انتهاك للقانون الدبلوماسي، مما يجيز القول بأن الدبلوماسية اليمنية في طريق مسدود، وأن ضحاياها هم: ١. المهنة ذاتها و٢. منتسبوها الذين يتطلعون إلى تطبيق القانون واللوائح أو القليل فقط من انتهاكهما، والعمل بما يجيزه القانون لرئيس الدولة من نسبة في تعيينات السفراء وحدهم. هؤلاء الزملاء سيطول انتظارهم، وقد يقضي بعضهم وهو متعلق بوهم وبأمل لأن وظائفهم تمنح لغير الدبلوماسيين الذين لم يمتهنوا هذه الوظيفة طيلة حياتهم ولا يرفضون ما لا يستحقونه.
أدت الانتهاكات المتكررة للقانون في عهد الرئيس الراحل ع.ع. صالح، إلى قبول الدبلوماسيين، مكرهين، بالأمر الواقع، خشية تسييس اعتراض البعض منه كما حدث في سنوات من سبعينيات القرن الماضي، وأدت أيضًا إلى استسهال خلفائه السير على خطاه طالما وأن الإذعان الوظيفي كان ولايزال هو السائد.
الدبلوماسي اليمني نكَبهُ الدهر اليوم بسلطة تزعم أنها تريد "استعادة الدولة"، ولكنها لا تدرك أن بداية البدايات هي احترام قوانين الدولة، ومنها قانون السلك الدبلوماسي الذي كان لرجل الدولة الراحل الأستاذ محسن العيني الفضل في سنه قبل أربعة وخمسين عامًا، وبدونه لم يكن للعشرات أن يلتحقوا بالمهنة بعد امتحانين تحريري وشفهي وشهادة جامعية ولغة أجنبية ولياقة بدنية وثقافة عامة.
تم القفز على القانون في حدود ضيقة جدا في عهد الرئيس القاضي الإرياني، ثم بصورة أكبر في عهد الرئيس صالح. أما اليوم فقد اتسع الخرق على الراقع. بعد أن تهشهشت الدولة، وتهمش دورها قبل الأعوام ٢٠١١ و٢٠١٤ و٢٠١٥، تضعضع وضع الوظيفة الدبلوماسية أكثر وأكثر، وتفاقم وجود من يعتبرهم أصحاب المهنة "الدخلاء" من مختلف المهن.
الوظيفة الدبلوماسية مهنة محترمة مؤطرة في كل دول العالم بالقوانين والانضباط، ولم تُهن إلا في اليمن، وبخاصة في العهد الذي تدار فيه من الغربة، وعندما تحترم هي وقوانينها سيكون لما نسمعه عن استعادة الدولة بعض المصداقية، لأن ذلك سيكون جزءًا من احترام الدستور وكل قوانين الدولة.
عندما كان السيد عمرو موسى أمينًا عامًا للجامعة العربية، قال بأنه يريد جامعة محترمة، ونحن نريد دبلوماسية يمنية محترمة لا أكثر.
هذه الدبلوماسية جزء لا يتجزأ من هدف استعادة الدولة، دولة القانون، لكن من سيستعيدها يجب أن يكون مؤهلًا وراغبًا وقادرًا على إنجاز هذه المهمة العظيمة، وغير خاضع لضغوط مراكز القوى والمجاملات الهدامة.
يتصل بالوضع المزري للدبلوماسية اليمنية حالة الجواز الدبلوماسي اليمني الذي كان للسلطتين التنفيذية والتشريعية والفساد دور كبير في الحط من شأنه وتشويه سمعته وشرائه بالمال.
وعن الكادر فإن الوزير المفوض عندنا لا يتوقع كغيره من دبلوماسيي العالم، أن يصبح سفيرًا عاملًا، لأن التجاوزات جعلت كل همه أن يتقاعد وقد حصل على درجة سفير لرفع شأنه لدى أسرته، ولكي يزداد مرتب تقاعده الأقل من بين رواتب التقاعد الدبلوماسية في العالم كله.
درجة السفير يسطو عليها أصحاب النفوذ بموافقة صانع القرار، من سبق ومن لحق.
إن السبب في كل ما حل بالدبلوماسية، غياب الحس بالقانون وبالدولة وبوظائفها كالعدل والمساواة واحترام القانون واحترام المال العام. وغني عن القول أن الانحدار بدأ قبل عام ٢٠١١ بكثير، عندما صُنفت اليمن دولة هشة وأحيانًا فاشلة.
عالم الاجتماع مَكس فيبر يعرف الدولة الفاشلة بما يلي:
١. غياب السيطرة الكاملة للدولة على أراضيها.
٢. غياب القدرة على الاستخدام المشروع لوسائل القوة.
٣. تآكل في شرعية إصدار القرار.
٤. عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.
٥. انتشار الفساد والجريمة وتدهور الاقتصاد.
٦. انفلات العنف الطائفي.
ولم يخطر ببال فيبر أن الدولة الفاشلة قد تكون دولة غير مستقلة
منقوصة السيادة، وقادتها غير مؤهلين ولا مؤتمنين ومغتربون.
لقد حاول "المجتمع الدولي" إصلاح أحوالنا ابتداء من اجتماع لندن عام ٢٠٠٦، ولكن الممانعة "التوريثية" حالت دون ذلك، برغم تخصيص ٦ مليارات دولار للإصلاح ولوقف التدهور في وظائف الدولة، وتفشي الإرهاب والخطف وغياب دور القانون والدولة، وتكررت المحاولة في نفس المكان ولذات الهدف عام ٢٠١٠، ولكن لا حياة لمن كان لا يريد الحياة لشعبه، وأفشل مساعي مجموعة أصدقاء اليمن لخروج البلاد من عنق الزجاجة.
إن عشرات الدبلوماسيين من مختلف الدرجات ينشدون احترام مؤسستهم وعدم التطفل عليها واحترام قوانينها والالتزام الصارم بمصالح كادريها الدبلوماسي والإداري، وهذا مطلب مشروع.