توازن غير مستقر: اليمن.. بين الضغوط الخارجية والتوترات الداخلية* - لوران بونفوا**
بعد ثمانٍ وعشرين سنة على رأس السلطة، عاد الرئيس علي عبد الله صالح ليربح أوّل انتخابات رئاسيّة فعلاً تعدديّة في اليمن، وبنسبة 77% من الأصوات. فعليه إذاً أن يستمرّ في سياسة التوازن غير المستقرّ الذي يعمل بها منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر. هذا الخيار ليس دون مخاطر، كما يبرهن على ذلك اختطاف الفرنسيين والاعتداء الذي فشل في أيلول/سبتمبر الماضي على منشآت نفطيّة.
في قرية نائية جنوبي اليمن، تم لصق صورتين بافتخار على الزجاج الأمامي لسيارة، إحداها لرئيس البلاد، علي عبدالله صالح، المجند بجانب الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهابـ"، والأخرى، لأسامة بن لادن.
ببساطة ليست هذه الولاءات المتناقضة مؤشرا لازدواج اليمنيين الذي قد يعتقده مراقبون أجانب؛ فهاتان الصورتان انعكاس لقدرة الحكومة اليمنية على المحافظة على الاستقرار من دون إقصاء المعارضة الإسلامية التي يعتبرها الكثير في البلاد شرعية. وقد نجحت هذه السياسة على أرض الواقع، فلم تعان اليمن من هجوم خطير منذ 2001.
وخشية اليمنيين من الإرهاب أقل من قلقهم تجاه القضايا الاقتصادية والاجتماعية والاستنزاف المتوالي للاحتياطي الضئيل من النفط، والجهود المتآكلة للحكومة في بسط قوتها في البلاد، وضرر الطابع المحلي من تعامل المجتمع الدولي مع الأمن.
فبعد 11 سبتمبر، اتخذت الحكومة اليمنية قرارها بالتعاون في الحرب على الإرهاب، ليس قلقا من تكرار أخطاء حرب الخليج الأولى في عام 1990-1991، بل من أن تقود البلاد إلى عزلة عن الدول الغربية وبعض الدول العربية.
وكان وضع الحكومة اليمنية ضعيفا بعد الهجوم على المدمرة الأمريكية (يو. إس. إس. كول) في ميناء عدن والعوائق التي وضعت أمام تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية لذلك الهجوم.
ومن ذلك الحين وهي تبذل جهودا مضنية لإحداث توازن بين توقعات شعبها ونخبتها السياسية من جهة، وكلاهما يقبلان ببلاغة القاعدة ضد الإمبريالية، ومن جهة أخرى مع مطالب الولايات المتحدة وحلفائها، الذين ينشدون تجريم أي معارضة لهم على أساس الدين ولو كانت سلمية.
وحلت الحكومة هذا المأزق بالعمل بتأن قدر المستطاع. ففتح مكتب التحقيقات الفدرالية مكتبا له في العاصمة صنعاء وقام جنود أمريكيون بتدريب الجيش اليمني.
وبوضوح: تم إخراس الاحتجاجات الرسمية التي تلت الاغتيال الاستخباراتي لأحد زعماء القاعدة في اليمن بواسطة طائرة بدون طيار تابعة للجيش الأمريكي في نوفمبر 2002. ونتيجة لذلك، بدلا من أن تكون هدفا للقنابل الأمريكية، أصبحت اليمن حليفا محترماً.
وتتضمن المؤشرات الظاهرة للوضع الجديد: زيادة في المساعدات من الدول الغربية والبنك الدولي، مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مناطق مختلفة من البلاد، بما فيها مآوٍ إرهابية مثل الجوف ومأرب وشبوة، وتوجيه جورج بوش دعوة للرئيس صالح لحضور قمة مجموعة الثماني في يونيو 2004.
سياسة حذرة
تهدف الحكومة لمؤازرة سياسته المتزنة بشكل حذر إلى دمج العناصر المختلفة المكونة للمجتمع اليمني: الزعماء الدينيون والقبليون وأحزاب المعارضة، في الدولة وأيضا في المؤسسات التنفيذية. وهكذا رفضت إغلاق جامعة الإيمان الخاصة، المتهمة بتدريب المجاهدين، أو الانحناء للمطالب الأمريكية بتجميد ممتلكات مؤسس الجامعة عبد المجيد الزنداني، والزعيم القيادي في حزب الإصلاح الإسلامي المعارض.
واتفق جميع أعضاء الحكومة على الحاجة إلى ممارسة رقابة أكبر على الطلاب الأجانب الذين يلازمون مؤسسات إسلامية (ففي نهاية 2001، زعمت الحكومة اليمنية أنها رحلت أكثر من 600 طالب أجنبي من أراضيها).
وعلى الرغم من المضايقات العرضية والمحاكمات، فإن الصحافة والأحزاب السياسية المتباينة تتمتع بحرية تعبير فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
وباهتمام تبنى الرئيس صالح مواقف قومية وضد الصهيونية ليحافظ على وهم الاستقلالية. ومنحته حرب العراق في عام 2003 مبررا ليعبر عن انتقاداته الشديدة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويجعل من نفسه صوتا قياديا لمقاومة الإصلاحات المفروضة من الخارج.
وفي 2002 أصدر البرلمان اليمني، الذي يسيطر عليه حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وهو حزب صالح، قرارا يطالب فيه البلدان العربية بوقف كل أشكال التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى تتخلى عن سياستها الداعمة لإسرائيل.
في الوقت نفسه طورت الحكومة من استراتيجية الحوار التي ساعدتها في التوفيق بين المطالب المتناقضة. فقد أمنت دعاية واسعة لنجاح القاضي حمود الهتار في إقناع جماعات مختلفة بأن الكفاح المسلح هو ضد الإسلام وإقناعهم بالتخلي عن الإرهاب.
في حين أن هذه المفاوضات أثبتت فعاليتها الإيجابية أكثر من القمع بهجمات وقائية. وتم التوصل إلى سلسلة من الصفقات والتسويات، كان البعض منها على مستوى عال في الحكومة خصوصا مع المقاتلين العائدين من أفغانستان في أوائل التسعينيات.
والشيء الأكثر واقعية، من كونه محتملاً، أن تلك الصفقات هي التي أقنعت الجهاديين بالانطواء في النظام الاقتصادي اليمني وحتى العسكري والتخلي عن العنف ضد الدولة والغرب.
وللأسف لم تكن الولايات المتحدة مقتنعة بهذه السياسة الوسطية. ووسط تزايد التوترات، اتهمت الحكومة اليمنية بالنفاق. وفي بداية عام 2004، هددت السعودية ببناء حاجز على طول حدودها مع اليمن كوسيلة لإعاقة التسلل إلى أراضيها.
وبعد الإعلان عن هوية يمنيين داخل صفوف المقاومة في العراق، تم الكشف عن معلومات جديرة بالتصديق بأن مسؤولين كباراً في أجهزة الأمن اليمنية كانوا متورطين في الهجوم على (يو. إس.إس. كول).
والإشاعات التي طوقت الهروب الخرافي ل23 من الإرهابيين المشتبه بهم في فبراير عام 2006، جعلت موقف الحكومة اليمنية صعبا للغاية. وكتب الرئيس بوش للرئيس صالح رسالة، يشكك فيها بتعهده بمكافحة الإرهاب.
وتكشف هذه الحوادث بالإضافة إلى ما ذكر سابقا، هشاشة الدولة الواقعة تحت ضغط من نوع خاص لتحاول أن تتماشى مع فئات المجتمع المختلفة جدا.
حتى منذ إقامة الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962، صارت الوظائف الزائفة في الخدمة المدنية هي الوسيلة الأساسية لإعادة توزيع ثروات البلاد، خصوصا في المناطق القبلية في شمال ووسط البلاد، حيث تنعدم البنية التحتية والخدمات العامة.
وفي كل مستوى من عملية اتخاذ القرار، على الأرجح أن الأفراد والجماعات يصلون إلى تعارض لبعضهم البعض، مما يؤدي إلى تخفيف تأثير السياسات العامة.
حدود الوسطية
تم الإعلان عن تأميم المدارس الدينية الخاصة عام 2002 ومرة أخرى في عام 2005. ووعدت الحكومة بقانون تنظيم حيازة الأسلحة. لكن لم يكن لذلك أي أثر ملموس.
وعموما فقد اتاحت عقدة الدولة، الكامنة في كثرة مصالحها ومهارتها في دمج عناصر المشهد السياسي المختلفة، لليمن فرصة لتجنب عنف سياسي والحفاظ على مستوى من التعددية.
وعلى الرغم من فعاليتها، إلا أن الوسطية كانت محدودة. ففي عام 1990، توحد شطرا اليمن: الشمالي القومي مع الجنوب الاشتراكي المنهجي، ليشكلا دولة واحدة. لكن تقاسم السلطة كان صعبا، مما قاد إلى حرب قصيرة بين جيشي السلطتين السابقتين في ربيع 1994.
ومنذ 11 سبتمبر، استجابت الحكومة لضغوط أمريكا المتزايدة بمحاولتها عرض سلسلة من الأدلة على التزامها بمحاربة الإرهاب.
لقد أفضى التركيز على قضايا الأمن إلى صرامة النظام الحاكم: الرقابة على الصحافة والسجن الاستبدادي وإجراء المحاكمات والحرب البشعة في شمال البلاد على حركة الشباب المؤمن التي تزعمها حسين بدر الدين الحوثي، البرلماني السابق، ممثلا لحزب الحق المحافظ المؤلف من الزيديين والشيعة.
وفي محاولة للحفاظ على النظام الجمهوري المحافظ عليه منذ ثورة 1962وسقوط الإمام محمد البدر، كثفت الحكومة من وسائلها القمعية ضد الأقلية الزيدية أكثر من قمعها لورثة الأخوان المسلمين.
ففي 1994، حاربت الحكومة نخبة الاشتراكيين في جنوب اليمن السابق، ومنذ 2004 وهي تصارع جماعة تنتمي إلى الأمامية الزيدية السابقة وحرمتها من أي شرعية حقيقية.
وبوصف جماعة الشباب المؤمن بالجماعة الشيعية الإرهابية والمرتبطة بحزب الله وأنها تتلقى تمويلا من إيران، أمنت هذه الدعاية الحكومية دعما دوليا للتدخل العسكري ضد "أنصار الحوثي".
وعلى الرغم من ضآلة القواسم المشتركة بين الشباب المؤمن والقاعدة: الخطابة المعادية للصهيونية ولأمريكا، فإن حركة الشباب المؤمن لا تمثل تهديداً لـ«صالح» ولا للولايات المتحدة.
ففي يونيو 2004، استفادت الحكومة من مناوشة بين أعضاء من الشباب المؤمن والجيش كذريعة لشن هجوم كبير في منطقة صعدة، القريبة من الحدود السعودية، ضد الجماعة التي كانت في السابق مصدا لنفوذ السلفيين محليا.
وقد واجه الجيش مقاومة لم تكن متوقعة في المنطقة التي كانت لفترة طويلة مستبعدة من السياسات التنموية للدولة. وبعد عدة محاولات قبلية ودينية لإعادة الوفاق، توسع العنف وهوجمت القرى وضربت بالمدافع.
قتال شرس
لقي الآلاف من المدنيين والجنود الحكوميين والمتمردين حتفهم في القتال الشرس الذي توقف في سبتمبر 2004، على إثر مقتل الحوثي، لكن تم استئنافه في مارس. وفي نفس الإطار، قادت الحكومة حملة قمع ضد مفكري المذهب الزيدي وحظرت الكثير من الكتب وأغلقت بعض الصحف مؤقتا.
وعند النظر إلى صراعات السياسة اليمنية، يكشف واقع الحال أن تلك الحرب لم تكن مفاجئة إلى حد ما. لأن عنفها كان في الأساس نتيجة للتركيز المفرط على القضايا الأمنية بسبب الحرب الدولية على الإرهاب، حيث قادت الضغوط الخارجية إلى أن يتخذ النظام اليمني ردة فعل مفرطة ضد أي تهديد للمصالح الغربية، مثل الاختطافات (فقلة من تلك العمليات كان لها دوافع سياسية) أو أي هجمات أو خطابات مناهضة للإمبريالية.
وقد أضعفت النتائج المتعاقبة للقمع شعور اليمنيين بالأمن، مهددا استقرار النظام السياسي ومؤكدا على الأسلوب القمعي للنظام.
وكان لقضية الحوثي تأثيراتها الضارة على سيطرة حكومة صالح على السلطة لفترة طويلة. لكن لسوء الحظ لم تكن هناك معارضة جديرة بالثقة، بالرغم من الهجوم على حرية الصحافة والتشريع المتدرج للنظام التوارثي وإبراز قوة شخصية أحمد علي صالح، قائد القوات الخاصة، الذي سيخلف والده.
إن نجاح محاولات توحيد أحزاب يمنية مختلفة، من الإخوان المسلمين إلى الاشتراكيين، يمكن إيعازه إلى رضا الحكومة بذلك، لأن استراتيجيتها للتكامل والتسوية قد قوضت بشكل مهلك قدرة المعارضة على ممارسة دورها الحقيقي.
وعلى مدى السنين الماضية، نجح المؤتمر الشعبي العام في بناء شبكة تأييد واسعة، معتمدة على المحسوبية أكثر من القناعات الفكرية. وفي يوليو 2005، أعلن صالح أنه لن يترشح لفترة أخرى في السلطة.
لكن الشكوك المستمرة حول قراره الأخير أعاقت ظهور أي بديل جاد. وبالرغم من توحدها، فإن المعارضة لم يكن لديها مرشح شرعي جدير بالثقة لينافس صالح الذي أعيد انتخابه حتى 2013.
وقد ابتليت اليمن بمشاكل اقتصادية وصحية واجتماعية وبالبطالة والتضخم وبعدم قدرتها على التحكم بسياستها الخارجية. وتكيف معظم أفراد الشعب اليمني على ذلك ويدركون عجز حكومتهم. إلا أن أعمال الشغب التي وقعت في يوليو 2005، بسبب الرفع المفاجئ لأسعار المشتقات النفطية، والتي راح ضحيتها 50 شخصا، كانت رسالة بأن الضجر قد يتحول إلى ثورة.
وكان موقف القوى الغربية، من بينها أوروبا، غامضا. فهم يدركون غياب البديل الموثوق فيه ويعرفون أن المستفيد الرئيسي من دعوتهم لتعددية أوسع سيكون حزب الإصلاح الإسلامي المعارض بعلاقاته مع جماعة الإخوان المسلمين.
إنهم يقدمون الأموال للحكومة وفي نفس الوقت ينتقدون تشددها ويمولون برامج تقدم الفرصة لأحزاب المعارضة إلى اعتلاء السلطة.
لكن في نهاية 2005، خفض البنك الدولي (الماضي في التخلص من الفساد المستشري المرتبط بعقود الأسلحة وتدفق المساعدات بعد 11 سبتمبر) مساعدته إلى الثلث.
وعلى الرغم من اكتشاف احتياطي من الغاز الطبيعي في شرق البلاد، إلا أن الاستنزاف المتزايد لاحتياطي النفط الضئيل الا يجعله في وضع الاعتماد عليه.
وقد دعم مستثمرون دوليون مشاريع مصممة لتشجيع نشوء مجتمع مدني متسامح وللسماح بتنظيم انتخابات ديمقراطية ولتدريب أعضاء مجلس النواب لمواكبة السياسة اللامركزية الطموحة التي تم تبنيها في عام 2000.
وكانت هذه المبادرات الهامة مؤثرة على المستوى المحلي، إلا أنها عملت القليل لإقناع الساسة الغربيين بأن الأمن ليس القضية الوحيدة.
ويواصل المحللون التنبؤ بحرب وبفوضى وحتى بانهيار. إلا أن شعب وحكومة اليمن قد نجحا في الحفاظ على توازن حقيقي. وبالفعل، فإن المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار هو تصميم المجتمع الدولي على فرض هواجسه الخاصة على الأمن.
وعلى المدى الطويل، ستثبت أي محاولة للحفاظ على سلامة الغرب على حساب اليمنيين أنها خاطئة. وسيبقى ذلك ظاهرا إلى أن تفهم الحكومة اليمنية والقوى الغربية هذه المفارقة.
الصديق السعودي
هما دولتان متشابهتان، لكنهما تختلفان في نقاط كثيرة: فالجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية دولتان عربيتان شقيقتان تحولتا إلى عدوين. فالحدود بين البلدين، والتي تصل إلى 2000 كيلومتر، تفصل بين جمهورية وملكية، بين ريف وحضر، وبين فقر وغنى، في واحدة من أكثر التباينات اللافتة للنظر على مستوى العالم.
فالهجرة والاستثمار الاقتصادي خلقا مستوى من التكامل الذي لا يستطيع مجلس التعاون الخليجي أن يتجاهله، وهذا المجلس عبارة عن ناد للدول الغنية في المنطقة والذي يستثني اليمن في الوقت الراهن.
فمنذ حرب 1934 (التي خسرت فيها اليمن محافظتي عسير ونجران) إلى التعاون الحديث في المجال الأمني، والتنافس بين أكبر دولتين في عدد السكان في شبه جزيرة العرب متواصل للحفاظ على البقاء طوال القرن العشرين.
كثيرا ما عبرت السعودية عن ترفعها على التدخل في السياسات الداخلية لليمن الشمالي، لكن الحكومة السعودية دعمت بعد ثورة 1962 الملكيين اليمنيين ولم تعترف بالجمهورية العربية اليمنية إلا في عام 1970، ومواصلة لسياستها التدخلية، أسرفت في دعم القبائل اليمنية، ومولت نظاما تعليميا مشابهاً لنظامها بإنشاء المعاهد العلمية، التي كانت في الواقع مدارس دينية تم استغلالها وتشجيعها على خلق التوتر بين شطري اليمن، شمالا وجنوبا. وكان ظاهراً أن السعودية عازمة على تعطيل أي محاولة لتوحيد جارتها.
وبعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990، قامت السعودية بترحيل 800000 عامل يمني في محاولة لزيادة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لليمن.
خلال الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، وبالرغم من التعارض الإيديولوجي، دعمت الحكومة السعودية الزعماء الاشتراكيين، الذين حكموا الجنوب سابقا، في محاولتهم للانفصال عن اليمن الموحد.
ويبدو أن معاهدة جدة، التي حسمت قضية الحدود عند التوقيع عليها في يونيو 2000 بعد مفاوضات طويلة ومعقدة، تنذر بعهد جديد. فالاتفاقية التي أنهت الطموحات التوسعية للسعودية، أظهرت ميول خرائطها للاقتصاص قليلا من الحدود الشمالية لليمن. وسمحت أيضا للحكومة اليمنية بأن تسترد بعض المناطق الصحراوية الشرقية حيث ساعدها ذلك في اكتشاف مكامن نفطية.
أما الحرب على الإرهاب، فقد قدمت للبلدين فرصة لتحسين تعاونهما من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والسجناء.
وأجرى البلدان في عام 2005 أول مناورة عسكرية مشتركة في منطقة حضرموت، شرق اليمن. وفي السنة التالية، سحبت السعودية معارضتها الكاملة لترشيح اليمن لمجلس التعاون الخليجي.
وبالرغم من هذه التحسينات الهامة في العلاقات بين البلدين، فما تزال هناك قضايا كثيرة بدون حل. فقد عاد العمال اليمنيون إلى المملكة العربية السعودية، وتزايدت أعدادهم عن مستوى ما قبل عام 1990. وبقيت أسرهم معتمدة على الأموال التي يرسلونها إليهم.
والوضع الإداري الصعب وغير المستقر للعمال الأجانب في السعودية والقوانين التي تحصر مهناً معينة للسعوديين (مثل بيع الذهب وتسويق منتجات البساتين)، والمستوى الخطير للبطالة في اليمن، كل تلك المشاكل تتظافر في إضعاف الاقتصاد اليمني وتقلل من فرص مواجهتها.
كما أن هناك عوامل أخرى تتسبب في وجود خلاف دائم بين البلدين مثل: الحدود المكشوفة، وتجارة الأسلحة والمخدرات والبشر، خصوصا النساء والأطفال.
لقد كشفت التحقيقات في الهجوم الإرهابي الذي وقع في نوفمبر 2003 في الرياض، عن أن الأسلحة والمتفجرات التي استخدمها الإرهابيون في الهجوم كانت مهربة من اليمن.
وبالرغم من معاهدة جدة، فقد أعلنت الحكومة السعودية أنها ستشيد حاجزا أمنيا على طول حدودها الجنوبية. وتم تهدئة تلك الأزمة. لكن قضية الحدود تظل مصدرا حيا للخلاف في العلاقات الثنائية بين السعودية واليمن.
ل. ب
* عن «اللوموند ديبلوماتيك» - عدد اكتوبر 2006.
** أستاذ في العلوم السياسيّة في معهد الدراسات
السياسيّة في باريس التابع للمركز الفرنسيّ للآثار
والعلوم الاجتماعيّة في صنعاء (Cefas).
توازن غير مستقر: اليمن.. بين الضغوط الخارجية والتوترات الداخلية* - لوران بونفوا
2006-12-14