نافذة.. تخليق* - منصور هائل
هكذا تكون المعارضة السياسية وإلاَّ فلا..!
فما أن وضعت الانتخابات «اوزارها» حتى هبت أطراف المعارضة المشحوذة بأحاسيس وحدوس يقظة تجاه الزمن لالتقاط المعطيات الناشئة عن الاستحقاق الانتخابي بابداع يتوسل انتاج تصورات اجرائية لتأطير الجهود في مجرى اطلاق حراك سياسي واجتماعي يستهدف «تخليق الحياة العامة عبر الدفع بمنظمات المجتمع المدني لدور اكبر في مراقبة السلطات والإدارة والاحزاب».
والحاصل أنه على ضوء ما أُلحق بالمسلسل الانتخابي من تشويه وإخلال، فقد تنبهت هذه المعارضة لمخاطر عزوف الناس عن الانتخابات القادمة، وتقلص قاعدة المشاركة الشعبية، ولخطر انزلاق الناس إلى دهاليز معتمة «وانشغالهم بمعارك تافهة لا تعمل الآن على تقسيم المجتمع إلى جزر وقبائل متناحرة لا تعرف إلا خطاب العنف والاقصاء، واستغلال أحداث معزولة من اجل الدفع في اتجاه ايجاد اصطفافات تعلي من الخطاب الاستئصالي الذي اثبت خطورته على أمن البلاد واستقرارها».
.. ولم تكتف بالتنبيه من المخاطر، والتحذير من اتساع الخرق على الراقع، على نحوبات يهدد مصير البلاد ووحدتها «ويرسم معالم مستقبل كالح لن تنفع معه الخطابات المتخشبة ولا المؤامرات السياسوية».
فقد ذهبت هذه المعارضة إلى أبعد من ذلك بتأكيدها على ضرورة بناء احزاب خالية من الفاسدين على النحو الذي يمكن ان يسند تمترسها خلف مقولات الانتقال الديمقراطي والمشروع الحداثي وحتى لا تصبح تلك «المقولات لغواً وكلام ليل يمحوه نهار».
وإلى التفاصيل حيث يكمن الشيطان ذهبت ونشرت التقارير الكاشفة لفساد خطر تمكن من إعطاب دواليب الدولة الهشة، وزرع الالغام في طريق الانتقال الديمقراطي، وفخخ هواجس وآمال التغيير بالمخاوف والمحاذير وتهاويل المجهول الشرس والمفترس.
وعلاوة على التقارير الكاشفة بادرت هذه المعارضة إلى تغذية حراك المجتمع المدني والسياسي بكشوفات تشتمل على اسماء الفاسدين في مختلف التيارات السياسية، وكشفت عن عناصر ومظاهر استخدام المال العام والحرام في شراء الذمم، وفضحت التزاوج بين مروجي المخدرات والمهربين ومزوري الانتخابات وناهبي المال العام، ومرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
وقد كان لتلك الضغوط ان تسفر عن إحالة 166 شخصاً، من الذين كان أعلن فوزهم في الانتخابات، إلى النيابة وعلى الشرطة القضائية تمهيداً لمحاكمتهم لضلوعهم في جريمة افساد الانتخابات عبر «الرشوة والحصول ومحاولة الحصول على صوت ناخب او عدة ناخبين بفضل هدايا وتبرعات قصد بها التأثير على تصويتهم».
كما توجب عليها (المعارضة) أن تواجه هذه الظواهر المعشعشة والمتفشية في الحياة السياسية والاجتماعية بشمول يستدرج ويجتذب الكثير من الجمعيات وفعاليات المجتمع وقد انخرطت العديد من الجمعيات في تيار «تخليق الحياة العامة، وبرزت العديد من الاسماء بمساهماتها الفعالة في السهرات الرمضانية وفي الندوات والاجتماعات التي أقرت بتلك الظواهر الخطيرة واوصت بآليات لمحاربتها».
هكذا تكون المعارضة وإلا فلا..!
ذلك ما كان، بل ما يحدث الآن في المغرب حيث دبت عملية الحراك السياسي والاجتماعي لـ«تطهير» الحياة العامة بعد فضائح فساد الانتخابات الاخيرة لمجلس المستشارين.
وذلك ما يستوجب الدرس والقراءة والاستلهام من قبل اليمنيين الذين يبدو أنهم انزلقوا إلى مهاوي الردى والاستنقاع في حفلات نهش بعضهم وتقتيل ما تبقى لديهم و فيهم من أوصال حيه، وآمال تخفق بمشروع حياة سوية وتنطوي على عقل قادر على التحفز بأسئلة اللحظة وتجاوز العثرات التي تقف امام اي مبادرة لبناء دولة القانون والمؤسسات، وكسر آلة الفساد والافساد التي تكرس الافقار والحرمان والانقسام والتشظي والخراب.
* راجع الاعداد الاخيرة من «القدس العربي»، خاصة عدد الجمعة 13 اكتوبر.
mansoorhaelMail
نافذة.. تخليق*
2006-10-18