أقرب
محمد الشلفي
وحين أجهل ما أريد لا أجهل الكتابة، تلك التي لم يكتبها أحد.. تتقافز الأفكار في رأسي كما في رأس رسول حمزاتوف، هو الحمْل كما يقول: "إذا فكرت -فكأنك حملت. الطفل سيولد حتما، عليك فقط أن تحمله، كما تحمل المرأة الجنين في أحشائها، ثم تلده بعرق جبينها وبالآلام، وأما الكتاب فولادته كتابته". وكما يسترسل بها الأمريكي بول أوستر أو ميلان كونديرا، يعشق رسول الأرض، ويعشق بول اللغة، كما يحن لها صاحب الجهل.
يقول حمزاتوف ما أدركته متأخرا: "ألا تعرف أنه حتى لو أنفقت حياتك كلها في البحث، فإنه يلزمك على أية حال يوم واحد، لا بل لحظة واحدة، كي تجد ما تبحث عنه؟".
في كتابه "بلدي داغستان" يخرج حمزاتوف إلى العالم مرتديا بلده داغستان وهي تعلمه كيف يبقى ويخلد. أحب كل شيء في بلده، بل أحبته كل الأشياء فيه، الجبال التي لا تلتقي كالرجال، والنهر الذي لا ينتبه سوى للجميلات، والأحجار السارحة بمراقبة المارة في الطريق الجبلي، والساقية المتلهفة للوصول إلى تحت التراب لتنبت، والأشجار الواقفة بانتظار ما يليق بها.
والكتابة مبرر كافٍ عند بول أوستر ليواصل الحياة.. أمزجة الكتابة مليئة بالشك والطفولة، بالغياب في حضرة الحضور، بالموت في حضرة الحياة.
في روايته "ليلة التنبؤ" للكتابة طقوس كمن يحضر روحا وعليه أن يختار أدواته وأماكنه بعناية يختار قلما أزرق وكراساً بلون أزرق أوراقه بدون سطور، والجلوس في غرفة مغلقة. ذلك يجدي في بناء مدن ورقية متدفقة. تتوقف الحياة فيها تارة لتكمل الكتابة، وتتوقف الكتابة لتكمل الحياة. لا خيارات، أحياناً قد يفرض عليك الوقت ذلك.
<
لم أحلق ذقني منذ مدة، وهذا يعني أشياء كثيرة منها أنك لم تذهب إلى موعد غرامي منذ مدة طويلة، ويعني أنك لم تعد تأبه بالحياة. في العادة لا تهتم، ليس في تفكيرك أن تكون كالساعة أو كماكينة المصنع، من الملهم كسر القوانين والقوالب. عندها ستكتشف قدرتك على الإعادة وعلى الحنين كما اكتشفها ميلان كونديرا في روايته "الجهلـ": "الذاكرة تحتاج، كي تعمل جيدا ، لتمرين لا ينقطع: تختفي الذكريات إذا لم تُستحضر مرة وأخرى في أحاديث الأصدقاء".
لا تعريف للحنين عندك كما تورده الثقافات، فالحنين كلمة تستخدمها إذا دعتك رغبة في الكتابة، والنوم، والتأمل، ومنح ابتسامة، والهروب إلى جبل ليس أمامك، أو مشاهدة فيلم، أو قراءة كتاب، أو إبقاء العلاقات دافئة، أو الصمت، أو العيش مغمض العينين.
هكذا بطريقة قد لا يوافق عليها أحد سواك. من المهم مواصلة الإصرار على ما أنت عليه حتى نجد من يعرف أننا على حق، أو أشخاصاً يوافقوننا في طريقتنا في العيش. يشهد محارب باول كويلو على ذلك: "يقوم فارس النور دائما بحركات تخرج عن المألوف والمعتاد.
يمكنه أن يرقص في الشارع وهو متجه إلى عمله، أو أن يحدق في عيني شخص غريب والتحدث عن الحب من أول نظرة. أو أن يدافع عن فكرة تبدو سخيفة. فارس النور يسمح لنفسه بمثل هذه الأشياء.
لا يخشى البكاء مسترجعا أحزانا قديمة، أو الابتهاج لاكتشافات جديدة. عندما يشعر أن الوقت حان، يترك كل شيء، وينطلق إلى المغامرة التي طالما حلم بها. وحين يشعر أنه أعطى كل ما في طاقته من صمود، ينسحب من المعركة، دون الشعور بتأنيب ضمير لاقتراف حماقة أو حماقتين لم يكونا متوقعتين. فارس النور لا يقضي أيامه محاولا لعب الدور الذي اختاره له الآخرون".
<
المحارب يقبل ذاته كما هي. بنشر الخير يسافر للبحث عنه، وكلما أدركه التوقف جدد نفسه.
أقرب
2010-12-13