إمكانية الحوار - محسن العمودي
لابد للخطاب السياسي، وعلى كل المستويات أن يخرج من اللغة الاطلاقية الحادة الأحادية الجانب الموجهة حصرا إلى طرف معين بهدف استثارته إلى النبرة الحرارية القادرة على الانفتاح على الآخر واستيعاب همومه ومشاكله وإيجاد الحلول العقلانية المتكاملة.
لابد لهذا الخطاب أن يحرر لغته من التكفير والتخوين والإقصاء. لذلك على جميع الأطراف أن تؤمن بان قضية الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان يجب أن تصبح من الثوابت في العمل السياسي اليمني لا يجوز أن تغيب عن أي برنامج عمل، أو مشروع تغيير، أو موقف يومي.
على الأطراف أن تعي أن أحد معايير التنمية البشرية لشعب من الشعوب هو معيار المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، ومن هنا فان الديمقراطية المطلوبة في بلادنا لا يجوز أن تنحصر بالمفهوم العددي أو الأكثرية الديمقراطية، بل يجب أن ترتبط بالمفهوم التوافقي الذي يحفظ لكل الأطراف وجودها وصوتها، ودورها في المشاركة.
ولذلك فان الإمكانيات المتاحة تستلزم بناء الدولة بعيدا عن التفكير بالأخلاق والوجدان الفردي، والتركيز على جعل الدولة داخل الدولة لا خارجها، لان الواقعية تستلزم التفكير في الإنسان كانسان.
الآليات: تتمثل في الاتفاق على عنصر الفساد والسعي بشكل جماعي لمحاربته من برنامج يتم الاتفاق عليه للإصلاح الاقتصادي والديمقراطي، باعتبار الفساد من أهم المعوقات الأساسية التي تقف في وجه الدولة الحديثة، وكلما كان الفساد متغلغلا كلما زادت الفجوة بين السلطة والمعارضة وعرقل التحول الاجتماعي والديمقراطي.
أما الوسائل, فتقوم على التجانس بوصفه أساس قوي لاستمرارية التضامن بين الفئات المكونة للمجتمع اليمني. ولابد من أن تقوم أحزاب المعارضة بفك الارتباط بين الديمقراطية والثورة. أي عليها أن تفصل بين النظام الديمقراطي بوصفة نظاما سياسيا واجتماعيا وبين أنجاز أهداف الثورة.
ومن أهم هذه الوسائل, قيام ثقافة سياسية جديدة لدى السلطة والمعارضة على السواء تسمح ببناء وعي جديد بالمجال السياسي وبعلاقات السلطة داخل المجتمع.
تعبر هذه الثقافة السياسية عن نفسها من خلال منحيين، المنحى الأول من خلال جنوحها إلى تصور العملية السياسية بوصفها منافسة اجتماعية سلمية، ثم من خلال إعلائها لمبادئ التوافق والتراضي قاعدة للصراع السياسي بين أطراف الحقل السياسي وبين السلطة والمعارضة على نحو خاص. فأما المنحى الأول، فهو ذلك الذي يمنح الثقافة السياسية صفة السياسة، بمعنى أنة يحرر مفهوم السياسية من معناه الوحشي الذي يماهي بينها وبين الحرب، أو يتصور التناقض بين المصالح - وهو قاعدة كل عمل سياسي - مبررا لممارسة العنف والإقصاء دفاعا عن المصلحة. وهنا لابد من إعادة التعريف إلى وضعه الطبيعي، أي أن السياسة منافسة مدنية سلمية من اجل تحصيل حقوق وإدارة التوازن بين المصالح، فأما المنحنى الثاني، فهو ما يمنح الثقافة السياسية بعدها الإنساني ويطوق غريزة التفرد والاحتكار، وتقديم بعض التنازل الموضوعي لها عند الاقتضاء.
أي أننا بحاجة إلى التوافق، والتراضي، والتعاقد، والتنازل المتبادل، بعيدا عن النفي والإقصاء والإلغاء، ومن هنا يمكن أن نفتح السلطة أمام إرادة التداول السلمي عليها. إن ذلك يحقق نضجا في العملية السياسية ويسمح بالتراكم إلى الحد الذي يتحقق معه التحول. وهذا التوافق ليس مجرد ضرورة اليوم فحسب، بل إمكانية واقعية إذا ما أردنا أن نبني دولة تستطيع أن تقوم بواجباتها نحو مجتمعها.
التحديات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية ومتطلبات مواجهتها، إن توسع التعليم وتطوير برامجه يعمل على رفع معدلات النمو الثقافي ويحسن من أدراك الناس لحقوقهم الطبيعية، فالتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه اليمن تعمل على إعاقة الديمقراطية وتعمل على تآكل القدرة على ربط الطلب الاجتماعي بين الحقوق والواجبات، فالوضع الاقتصادي والعلمي والاجتماعي يترك بصماته البارزة على الحياة السياسية، ويعمل على تغيير المفاهيم والاتجاهات، ونحن بحاجة إلى جهد مثابر لملاحقة التطورات الجارية وفهم عمق الأحداث والمستجدات الجارية وأهميتها، وهذا يتطلب من كل القوى أن تتفرغ للبناء، لذلك فان كل القوى معنية بإشاعة الديمقراطية وحقوق الإنسان في حياتها السياسية وضمان العدالة الاجتماعية لأفراد الشعب، وإرساء أسس جديدة تعتمد التكافؤ النسبي المتطور في علاقاتها الداخلية والخارجية.
وعلى القوى السياسية أن تراجع نفسها ومعرفة أهمية التنمية، فعندما أهملتها من تفكيرها أختل التوازن بين الديمقراطية والحقوق، مما ساعد الجماعات الطفيلية أن تقوم على هامش هذا الخلل وتستفيد منه محققة ثروات خيالية، هذا الخلل الاقتصادي والاجتماعي قاد إلى توتر واحتقان على المستوى الشعبي، الأمر الذي جعل من الأوساط الشعبية فريسة سهلة للخطابات الشمولية والمتطرفة، بل جعل تجنيد الأفراد أمرا سهلا.كما انه مطلوب من القوى السياسية ألا تمارس الخطاب التعبوي الذي يساعد على إيجاد مناخ للتناحر الأهلي ويجري تركيبه على عصبيات وغرائز تقليدية لا علاقة لها بالضرورة بطبيعة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية القائمة.
لقد لعبت الأحزاب السياسية خلال المرحلة الماضية على تداخل الواقع المأزوم مع المثال المتعالي، مما عمل على تراجع الحلول المرحلية المقبولة أمام الأوهام المطلقة التي كانت ترفعها هذه الأحزاب، وحاولت تقديم المطالب الشعبية المحقة في سياق تعجيزي يستهدف إحراج السلطة، مما يعطل الحوار معها.
angalhMail
إمكانية الحوار
2006-09-06