السلطة العاجزة والمستبدة
* عبدالباري طاهر
تراجعت السلطة العاجزة والمستبدة عن حملتها المستعرة ضداً على الصحافة والصحفيين منذ نهايات حرب صيف 94. وهو تراجع تكتيكي مرده إلى الضغط الدولي وتكاتف الصحفيين ونقابتهم في المواجهة الرعيبة.
التراجع التكتيكي يقتضي اليقظة والحذر من قبل الصحفيين الذين تصدوا للعدوان على حرياتهم، وعدم الانسياق أمام بضاعة الوهم الكاسدة والفاسدة التي يروج لها البعض للحصول على مكاسب.
تزامن التراجع عن جبهة الخطف والإخفاء والاعتقالات الجمعية، والمحاكمات الجائرة والكيدية للصحفيين، مع الهجوم على المؤتمر العاشر للأدباء والكتاب، فحشدت أتباعها وأزلامها مشترية الأصوات، ومحرضة على الإسقاط والإقصاء والتهميش.
السلطة الفاشلة في حماية السيادة والاستقلال، والعاجزة عن حل معضلات الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، وعن توفير الأمن والسلام والاستقرار، والوالغة في الفتن والحروب والثارات والانتقام، وعن توفير لقمة الخبز الكفاف، أو مياه الشرب النظيفة، أو إنارة المدن.. هذه السلطة الرخوة تحاول يائسة تدمير الكيان الوحدوي كشاهد وحيد وعدل على "انفصاليتها"، وعدم قدرتها على مغادرة مراعي القبيلة وحمى العشيرة وإرث الأقيال والأذواء.
لقد نشأ اتحاد الأدباء موحداً منذ التأسيس في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ولعبت قياداته الوحدوية: البردوني، الجاوي، الربادي، الشحاري، سالم بكير، محمود الحاج، جرادة، غانم، عبدالله فاضل فارع، الجناحي، دماج، بن سلام، بامطرف، الصبان، الملاحي، القرشي بن سلام، الدكتور عبدالرحمن عبدالله، يحيى عوض، الشماحي، الأكوع، عبدالودود سيف، النقيب، سلطان الصريمي، محمد عبدالجبار سلام... والعشرات من مختلف ألوان الطيف المجتمعي والفكري والسياسي.. لعبوا دوراً عظيماً في إبقاء جذوة الوحدة مشتعلة، ورفعوا رايتها حتى الانتصار.
كما لعبت مجلة "الحكمة" دوراً مشهوداً في تبني قضية الوحدة، وتعرض عمر بن عبدالله الجاوي للإقصاء والتهميش كحامل صخرة سيزيف الوحدة. الوحدة التي حمل رايتها أقصي عن المشاركة حتى في حفلات زفافها، وتعرض للاغتيال، وأمام عينيه قُتل رفيق دربه والدينامو المحرك في حزبه "التجمع الوحدوي الديمقراطي" حسن الحريبي، ومرت الجريمة دون مساءلة للقتلة رغم معرفة الأجهزة ودولة الوحدة لهم، حتى اليوم.
دمر الانفصاليون (الأصليون) دولة الوحدة، وعمدوا الانفصال بالدم والإقصاء والإلغاء والتشريد، وكان الاتحاد الأدبي الوحدوي هدفاً لأعداء الوحدة السلمية والديمقراطية. سلم مقره الرئيس في العروسة كهدية لنافذ موالٍ للحرب، وسلط الإهمال حتى الموت على القيادات: البردوني، القرشي، سلام، الربادي، الملاحي، الصبان، بامطرف، المروني، الدكتور عبدالرحمن عبدالله، عبدالله سلام ناجي، ونصيب.
السلطة المعتدة بالطلقة والضعيفة الإيمان حد الكراهية "كراهية التحريم" للكلمة، هي التي تدفع للاستهانة بالسياسة والتضييق على الهامش الديمقراطي، وحرية الرأي والتعبير والإبداع والتجديد.
عقد الأدباء مؤتمرهم العاشر في عدن، أواخر الشهر الماضي. ومنذ البدء كان الرهان على ابتلاع الاتحاد وإسقاط ما تبقى من قياداته التاريخية، وسلط المال والإساءات والتشهير وتحشيد الموالين وشراء الذمم، وصولاً إلى القوائم المناطقية والمغلقة. كان الأستاذ الجليل أحد أهم المؤسسين: أحمد قاسم دماج ورفاقه، وعبدالعزيز البغدادي، وأحمد ناجي، والدكتور سلطان الصريمي، وأحمد ناصر جابر هدفاً ثميناً للإسقاط. خسر الاتحاد الدكتور سلطان الصريمي الذي رفد الاتحاد بخبرته لعدة عقود. كانت الانتخابات حرة وديمقراطية، ولكن المشاغبات والإصرار العنود على إفساد أجواء المؤتمر، كان السائد، فقد جرى التركيز على إسقاط قيادات الاتحاد، كما جرى التركيز على القوائم المناطقية والجهوية والموالية.
انغمس ضعاف النفوس في بث روح التمترس والخصومة، مدججين بتحريض الحكم وتأييده، ووقف البعض متفرجاً أو منتظراً، وتلبس الخوف البعض.
كانت الغالبية مع إنجاح المؤتمر، والخروج بأقل الخسائر. ما إن انتهى الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التنفيذي المكون من 31 عضواً، جلهم من الحريصين على وحدة الاتحاد، وإشاعة روح الديمقراطية والتجديد فيه، حتى انطفأت الكهرباء لتحول دون انتخاب الأمانة العامة، حسب النظام.
كان على المؤتمر والمؤتمريين أن ينخرطوا في صياغة ومراجعة وتأسيس النهج القديم الجديد للاتحاد، وبالأخص التخفيف من غلو المركزية المميتة، وتوزيع الأعباء والإمكانيات بين فروع الاتحاد، وإعادة الاعتبار لمجلة "الحكمة" بنقل مقرها إلى عدن، وتشكيل هيئة تحرير جديدة لها، والعمل على تحويلها إلى مؤسسة حقيقية تقوم بنشر وتشجيع الإبداع، والدفاع عن الحرية والديمقراطية وحق التنوع والتعدد والاختلاف.
لقد انعقد المؤتمر تحت شعار "حماية الحريات العامة تأصيل للديمقراطية والإبداع". وقد عبر المؤتمرون عن إرادة الأدباء وطموحهم في وطن ديمقراطي موحد آمن ومستقر خالٍ من الفتن والحروب والفساد والطغيان.
دانوا الحرب في صعدة ومأرب، وحصار الضالع وردفان، ومحاولات العودة باليمن إلى ما قبل الوحدة اليمنية، بل إلى ما قبل الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، ونددوا بالممارسات القمعية ضد الأدباء والكتاب والصحفيين، كما نددوا بتشكيل محاكم التفتيش الجديدة -القديمة (هيئة الفضيلة)، ورأوا فيها رقابة بوليسية على ضمائر الناس ومعتقداتهم، وعقاباً على النوايا.
لا تزال القرارات والتوصيات محجوبة حتى اليوم، بسبب اعتراضات التابعين لحزب الحاكم.
فهل يريد الفاشلون في حماية مياه الشرب النظيفة، ولقمة الخبز الكفاف، تحقيق انتصارات تعويضية في قاعة الاتحاد، وعلى حساب نهجه الوحدوي الديمقراطي؟
محاولات جر اتحاد الأدباء إلى ساحات الصراع (الانفصالي) ونهج الحروب والفيد شاهد إفلاس القائمين على الأمر.
إن قضية الأدباء والكتاب والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان والعفو ومؤسسات المجتمع المدني واحدة، ويستحيل على الحكم شراء ذمم الناس جميعاً أو طمس قضاياهم الحية والعادلة.
السلطة العاجزة والمستبدة
2010-06-14