اللحظة الفاصلة
*محمد الغباري
لا تحتاج الأوضاع في الجنوب إلى تكرار التنبيه من الخطورة التي قد تؤول إليها إذا لم تتم معالجات سريعة، سياسية واقتصادية، لكن الخطورة في الاعتقاد الراسخ لدى صناع القرار بأن تجاهل تلك المطالب وحتى المشروعة منها كفيل بأن يجعل الناس يصلون إلى مرحلة اليأس ومن ثم الاستسلام للأمر الواقع.
مع بداية الحراك اقتنع الحكم بأن المعالجات البطيئة يمكن أن تؤدي إلى نتائج فاعلة، كما أنه اتبع سياسة ترك الحجر يتدحرج إلى نهاية المنحدر، واسترضاء الأفراد، وشراء الولاءات، لكن تلك المحاولات لم تفلح، بل فتحت في أحيان كثيرة الباب لابتزاز النظام حتى من حلفائه المفترضين.
اليوم، وقد وصل الأمر حد الاعتداءات على المواطنين ونهب محلاتهم استنادا إلى المنطقة الجغرافية التي ينحدرون منها، وبات رفع العلم الأمريكي والسعودي أمراً غير معيب، وأصبح الحديث عن هوية وطنية بديلة نوعا من البطولة، أظن أن الرهان على سياسة تجاهل الواقع سيقود إلى أسوأ مما نحن فيه الآن.. أما الحديث عن الحرب الأهلية فقد أصبح جزءاً من المعادلة القائمة اليوم وإن كان بصورة فردية.
عندما كتبت منتقدا التحريض على الكراهية للجغرافيا قبل ما يزيد على عامين، وقلت إن ذلك سيقودنا إلى وضع شبيه بالوضع الذي حدث في رواندا حين كان القتل يتم استنادا على الانتماء القبلي، قال مسؤول كبير إنني أبالغ في الطرح وأخطئ في التقدير، لأن اليمنيين أعقل من أن ينجروا إلى احتراب أهلي مهما كانت حدة الخطاب القائمة في الجنوب، لكنني اليوم أكثر قناعة بأن الوضع قد اقترب مما كنت أتصور.
لا نحتاج إلى دليل على أن آلافاً من أبناء المحافظات الشمالية قد غادروا المحافظات الجنوبية، وأن محلاتهم عرضة للنهب، وأنهم أيضا عرضة للازدراء، وأن الكثير من التجار قد غيروا وجهة بضاعتهم من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة بعد أن تعرضت العديد من الناقلات للتقطع والنهب، وأجزم أنه لم يعد بإمكان أحد أبناء المحافظات الشمالية المرور بسيارته عبر طريق الحبيلين، أو الخروج من عدن إلى محافظة أبين.
بالأمس خرج المئات أو الآلاف في الضالع والحبيلين وأبين والمكلا لمطالبة المجتمعين في الرياض باتخاذ موقف ضاغط على الحكومة اليمنية للاستجابة لمطالبهم. هؤلاء مهما حاول البعض توصيفهم فإن خروجهم إلى الشارع هو تعبير عن قناعة بعدالة القضية التي يحملونها، وبالتالي فإن من الغباء أن نستمر في التقليل من شأن ما يحدث دون أن نعمل على إيجاد معالجات حقيقية للوضع، لأنه وكلما طال أمد الحراك ترسخت ثقافة انفصالية لدى جيل بل أجيال من الشباب يجهلون بالمطلق تاريخ وطنهم وتضحيات شهدائه بعيدا عن المناطق الجغرافية.
منذ الإقرار بالتعددية السياسية قيل إن الحكم في اليمن لا يأبه للانتقادات الداخلية، وإنه يستجيب سريعا للضغوط الخارجية، وأمنيتي، ألا تكون هذه الرؤية مستمرة، لأن التدخل الخارجي في هذه القضية وغيرها سيكون مدخلا لتصفية الحسابات مع الحكم لدينا، وأيضا أرضية خصبة لتوظيفها لما يخدم مصالح هذا الطرف أو ذاك.
أن يقدم الرئيس علي عبدالله صالح التنازلات لشركائه في الوطن في المعارضة، أفضل بكثير من أن يفتح الباب أمام أي تدخل خارجي مهما كان هذا الطرف. وإذا كنا نشكو من غياب الثقة بين الأطراف السياسية، فإن المسؤول عما آلت إليه الأوضاع في البلاد معني بالدرجة الرئيسية بتقديم ما يطمئن الطرف الآخر إلى جديته، لأننا بغير هذا نوكل شؤوننا إلى غيرنا.
malghobariMail
اللحظة الفاصلة
2010-03-01