الفصل القادم: ما بعد علي عبدالله صالح
*جمال حسن
في آخر الألعاب الأولمبية في بكين، تحطمت كثير من الأرقام القياسية، ربما أهمها في سباق المئة متر. الصين أيضا كسرت التفوق الأمريكي وحصدت للمرة الأولى أكثر عدد من الميداليات الذهبية. إنها واحدة من الفصول العديدة، التي تترك نفسها كتاريخ. وكانت الأزمة الاقتصادية العالمية، أكثر الفصول أهمية، وقد نبأت ربما بعصر متعدد الأقطاب، مع احتمال وشيك لظهور قوى عالمية مثل الصين والهند والبرازيل، أو ما يسميه البعض عالم ما بعد أمريكا. البعض يعتبر الأزمة الاقتصادية سببها حدوث تراكم وهمي للنقود. عاصفة الكساد، وإعلان إفلاس عدد مهول من البنوك الأمريكية. وعلى ناصية غير متوقعة من الزمن، يضرب زلزال هاييتي، ليقتل أكثر من مئة ألف، ويشرد ما يقارب 3 ملايين. كان العالم يعيش على فزع حادثة لم تحدث. شاب نيجيري يفشل في تفجير طائرة ركاب مدنية متجهة إلى ديترويت، عبر تفجير نفسه. يعود التساؤل حول جنون لعبة الموت العمياء التي تتباهى بها تنظيمات تنتسب للإسلام، مثل القاعدة. يخيم كابوس الإرهاب، وهذه المرة يظهر بطل جديد، هو اليمن.
فالنيجيري كان أداة تفجيرية للقاعدة في اليمن. وبعد وجود هامشي في قلب العالم، يستطيع كثير من سكان الدنيا كانوا يجهلوننا تحديد أي بلد نحن. إنه البلد الذي صار يضاهي أفغانستان في تصدير الإرهاب، حسب تصورات يمنحها تسليط إعلامي غير مسبوق. وفي المقابل نجد لافتات إعلانية تزين شوارع مدننا كتب عليها "اليمن في قلوبنا" تحت توقيع الهيئة الوطنية للتوعية. واحدة من الطرق الاعتيادية، غير المبتكرة للحكم. صناعة هيئات، لمواجهة الكوارث، فيما الكوارث تزداد. لكن ما نوع التوعية، وأي يمن ذلك. أليس هو البلد الذي يعني اختصاره في رجل، في أسرة، في قبيلة. ومن ناحية أخرى، تختصره أصداء عمياء لقبيلة أخرى وأشخاص آخرين، ومكونات تدعي مقدسات من نوع ما.
يظهر عبدالملك الحوثي، رافعا قدما وبابتسامة منفوخة كبالونة، أراد إيصال رسالة تحدٍّ تدحض خبر موته. لكنه في الوقت نفسه يعلن استخفافه بصناعة موت كان هو طرفا فيها. كان على الأقل سيبدي بعض الأسف، وليس التبجح. خلال نصف شهر، يتهاوى سعر الريال، موحيا باقتصاد مريض، وهالك. وبدلا من ابتكار سياسات تخلق تحسنا ملموسا. يصنع النظام وهما جديدا، ربما يعيشه أكثر من غيره.
تجاوز فيلم المخرج الأمريكي جيمس كاميرون "أفاتار"، الرقم القياسي للإيرادات في تاريخ السينما الذي كان حققه فيلم "تيتانيكـ" للمخرج نفسه، ومازال الفيلم يحتل قائمة الإيرادات في شاشات العرض حتى الآن، ما يعني أنه مرشح لتجاوز الرقم السابق بكثير. خلال 14 عاما ظل كاميرون يعمل على هذا الفيلم، وبصبر ومثابرة ابتكر صورة سينمائية جديدة أدهشت العالم، ونجحت تجاريا. فنان منح العمل كل تقديره. وأمام تحديات مريعة يواجهها البلد، بقرار سياسي، تملأ الشوارع لوحات "اليمن في قلوبنا". على طريقة سينما هندية، تتغير معادلات الواقع وموازين القوة، بحضور خارق لبطل يغني ويرقص. في الواقع السينما الهندية تحتفظ برقم قياسي في عدد الأفلام التي تنتجها سنويا. ويبدو أن اليمن تمتلك رقما قياسيا في عدد الهيئات الوطنية، من المرأة، ومكافحة الفساد، و... و... وأخيرا للتوعية. وفي الواقع، الفساد يتفشى بقسوة، والمرأة لا تحقق شيئا ملموسا.
رجال الحكم في اليمن أرادوا تغيير واقعنا بلافتات، كما أراد آخرون تغييره بشعارات. والتساؤل ما هو الفصل القادم لليمن. السينما تتحدث عن حدث كبير، فيلم يحقق إيرادات هي الأعلى في التاريخ. واليمن أيضا تحصل على رقم قياسي من الاستخفاف بها. العالم يصنع منها سجناً للإرهاب. القاعدة أيضا تعمل على عزلها. الحوثيون ليسوا أسوأ من القاعدة، لكنهم مشكلة تمارس الخراب. تحقق البطولة بالموت. وهو الدور الذي يمارسه النظام، العيش على هذا الموت. تكريس نفسه كشرطي للعالم يطارد الإرهاب.
ربما يجد الغرب النظام متعاوناً في الحرب على القاعدة. مؤتمر لندن أكد دعمه اليمن في تلك الحرب. لكن المهمة لا يمكن اختصارها، في عملية أمنية. انهيار الاقتصاد، يضعف سيطرة الدولة، ويمنح القاعدة ملاذاً مثاليا. هناك مسألة مخيبة، الفساد يضعف الثقة. تثار الشكوك من تحقيق المساعدات أهدافها. التحليلات الغربية، أيضا تملأها التساؤلات، من مصداقية النظام، مع ذلك، فهو الخيار الوحيد المتاح للتعامل معه.
النهايات السعيدة، لن تحضر كما يطلبها النظام. في صعدة، لم يحقق الجيش حسماً حقيقيا. كما أن تأييداً غربياً مع حل سياسي، أي التعامل مع الحوثي كأمر واقع، من أجل التفرغ للقاعدة. هذا الحل السياسي، أيضا قد يشمل قيادات جنوبية. السينما لا تغير عاداتها كثيرا. وهناك من وقت لآخر ابتكارات. التكنولوجيا، جزء من ابتكار السينما. في "أفاتار" تم صناعة مخلوقات وهمية، عالم كوكب وهمي، متخيل. وهناك دائما يمن متخيل، يتم تصوره كمسرح للموت والعنف. صورة يحاول النظام مواجهتها بهيئة خاصة أيضا لتحسين صورة اليمن. كل تلك الهيئات تخصص لها ميزانيات، ولا تحقق شيئا. كثير من الأفلام الأمريكية، تصنعها ميزانيات ضخمة، تخلق صورة ونجاحا.
واحدة من عادات السينما، غزو كائنات فضائية للأرض. في "أفاتار" غيرت السينما واحدة من عاداتها، هذه المرة الإنسان يغزو الفضاء. غزو بشري لكوكب مخلوقاته تعيش حياة بدائية. يحاول بتفوقه تدميرها. تغيير العادات قد يخلق الثقة. وربما ما يحتاجه النظام في اليمن تغيير بعض عاداته. يصعب مشاهدة فيلم هندي دون وجود أغانٍ ورقص. كما يصعب على الرئيس تغيير بعض عاداته. بعد 3 عقود، لن يجرؤ على تغيير طريقته في الحكم. ومن سيخلفه سيحتاج ابتكار سياسات جديدة للاستمرار. هذا إذا كان الواقع سيتيح لمن سيخلفه.
كتابات تتنبأ بأن الفصل القادم للعالم، هو عالم ما بعد أمريكا. وقد تسبقه استهلالة. وفي اليمن تكثر التنبؤات عن الفصل القادم، ما بعد علي عبدالله صالح. هل سيكون ابنه أحمد، الحاكم بعده، أم مرحلة من الاضطرابات والحروب الأهلية التي بدأت ملامحها تتكون، ما لم يستطع النظام الحالي السيطرة عليها. وربما تدخل أجنبي في بعض مناطق اليمن، من المرجح أن يعززه شغف بريطاني، باستعادة الزمن الغابر، حين كانت عدن مستعمرة. وهذا أمر مستبعد على المدى القريب.
ربما وقعتُ في خطأ مريع، لا يمكن المقارنة بين السينما والسياسة. مع ذلك ليس هناك مقارنة. هناك فصول في السينما، كما في الألعاب. عندما تحين الأولمبياد القادمة، ستكون الأرقام القياسية المحققة سيدة الاهتمامات. وفي سباق المئة متر، سنتساءل عن الوقت الذي سيحققه عداء بسبع ثوانٍ، أو استحالة ذلك. سنتساءل عن عدائين خارقين، يمكن للسينما صناعتهم في صور وهمية. لكن كوكب الأرض يعاني من عبث التطور. هل سيأتي وقت يستحيل العيش عليه؟ وأسئلة كتلك، لا تثار كثيرا في عالم ثالث. إنها تساؤلات العالم المتقدم. هنا قد نسأل أي يمن سيكون بعد عقد؟ الصين تحقق تفوقاً في الرياضة والصناعة. وهنا يتشكل مسرح عبثي. "أفاتار" فيلم يصور غزو البشر هربا من أرض هالكة، نحو عالم بكر. وفي بلداننا قد نحتاج لكوكب متخيل نهرب إليه.
الفصل القادم، ربما العاشر، أو العشرون، لنسمه رمزيا فصل ما بعد علي عبدالله صالح. لكنه في الواقع فصل بدأنا في استهلالته. فصل ما بعد أمريكا، يتوقع أن تشكله قوى بدأت تظهر على الواقع. لكن القوى الظاهرة على الساحة اليمنية بما فيها الحوثي والحراك، هي جزء من الاستهلالة لملامح ستكون أكثر اختلافا. وبالتأكيد أحمد لا يمكن أن يكون سوى جزء من الاستهلالة في حال وصوله للحكم. إلا إذا...
وفي الواقع، ما نعيشه الآن هو استهلالة الفصل القادم، فصل ما بعد علي عبدالله صالح.
jamal7snMail
الفصل القادم: ما بعد علي عبدالله صالح
2010-02-01