فسحة.. أريد سندويشة جبنة
«... بيروت تقطع صيفاً حاراً، البلاد كلها تقطع صيفاً حاراً، والولد يشتاق الى مروحة بيته. الولد عنده سقف فوق رأسه، ينام في صف مع 19 شخصاً. أخوه يلبس ثياب «سبايدر مان» بالية مغبرة ويقفز بين الكراسي. أهل حديقة الصنائع ناموا في الهواء الطلق. البرغش مشكلة في الليل. البراغيث وحشرات أخرى أيضاً. الحشرات ناقلة أمراض. لكن ماذا نصنع؟ شاحنة للبلدية تدور حول الحديقة وترش مبيداً. هذا حسن. هذا مفيد. هذا يساعد. واقفاً في قلب الحديقة، والناس يأتون الى الفتيات حاملات السندويشات في علب الكرتون، واقفاً في قلب الحديقة والحمائم ترف فوق الرؤوس، واقفاً في قلب حديقة الصنائع يرى الواحد الغيمة البيضاء تدور مع هدير المحرك، تتحرك على طول الشارع وتنعطف في زاوية قائمة وراء الأشجار وتتابع طريقها. تلف الشاحنة الصغيرة المستطيل الأخضر، تلف حول الدرابزين الأسود والسور الحجري الواطئ، وتنفث غيمة من البخار الأبيض. السحابة البيضاء قد تساعد. في داخل الحديقة ترتفع الأصوات. أحد الرجال يطلب عدداً أكبر من السندويشات. الفتاة ذات الشعر القصير والقميص الزهر تحاول أن تشرح له مبدأ توزيع الطعام: انها تدور مع صديقتها على الجالسين، ليذهب ويجلس على فرشته مع عائلته حيث يجلسون عادة والدور سيصل اليه. الرجل يتخلص من مداسه ويقعد على التراب ويقول أنا وحدي، وأنا قاعد هنا، أريد سندويشة جبنة.
... تحت أشجار قصيرة لا تصنع ظلاً، امرأة تغسل ابنها في وعاء من بلاستيك أبيض.
الوعاء لا يتسع للولد. الولد يحاول الهروب من أمه. لكن أصابعها قوية. تقبض عليه من ذراعه وتفرك رأسه بالصابونة. الصابونة غير مرئية. لكنك ترى الرغوة على رأس الصبي. وراء الشجيرات سرب حمائم.
... الفتاة التي تساعد بتوزيع السندويشات قالت إنها تنام مع عائلتها المكونة من تسعة أشخاص على فرشتين، أما الأب فينام على الأرض. أبي ينام على التراب، قالت.
«وأمس نمنا بلا عشاء». سكت الرجل الذي يجادلها من أجل سندويشة إضافية. أسكتته كلماتها. أتى ولد وطلب سندويشة لبنة بدل الجبنة. قال إنه لا يحبّ الجبنة، الجبنة طعمها مثل النمل.
.... الرجل الذي يكنس الحديقة يقترب ويطلب سندويشة. يقول انه موظف هنا، لكنه مهجر أيضاً، مهجر من سنوات وسنوات ويريد سندويشة. رجل ثالث يدنو ويقول انه لم يحصل على سندويشة بعد. تسأله الفتاة أين يجلس فيدلّها الى الجانب الآخر. اذهبْ الى فلان، تقول له، هو يوزع هناك. فلان (شاب يساعد الفتاة حاملاً صندوقاً آخر) يقول انهم دائماً بحاجة الى سندويشات إضافية. الحديقة ملآنة ناساً والسندويشات لا تكفي. بنت صغيرة تقترب وعلى فمها شوكولا، تشدّ الشاب من قميصه ولا تقول شيئاً»
- ربيع جابر ، عن «الحياة» اللندنية
فسحة.. أريد سندويشة جبنة
2006-08-10