حيث لم يعد الأمر يقتصر على ضبط مفاهيم ما يحدث في البلاد، أو تشبيهه بفك اشتباك بين خطابين؛ بل غدا اصطلاحا يعنون لما فوق الأزمة: حراك سلمي، وينذر بتحوله إلى لا سلمي لفك عرى الوحدة في الجنوب، والقشعريرة التي تسري في الجزء الشمالي خوفا من انفراط هذه العرى، يذهب البعض إلى تهوينها وتحجيم أبعادها، وكما يستهوي ذلك بعض المحللين في الجادة السياسية من طرفي التقاسم السياسي: السلطة، والأحزاب التي تبدو أقرب إلى المعارضة أو هكذا تسمي نفسها، بعيدا عن الرصيف السياسي الذي عادة يتلبث عند التنظير ويركن إلى قرار علوي يفرج أسارير الأزمات السياسية عامة، بينما ما يعتمل في الشارع الشعبي وضمن خطاب العامة يبدو بعيدا عن احتسابات السياسيين التي تبدو سلحفائية.
وحادثة القباطي الأخيرة تؤكد أن السباق السياسي والشعبي يبدو كتناظر بين سلحفاة وأرنب. وتيرة الشارع تحتدم يوما عن يوم، والاستنفار علا منسوبه في الشارع الجنوبي، بينما السياسي في صنعاء يبسط بضاعته على رصيفين ليسا بعيدين عن بعضهما، يتجاوران في التعاطي مع احتداد ناس الجنوب، ويسعيان إلى عدم تغوير القراءة السياسية، وتسطيح التعاطي مع الاحتدام كلاًّ بأدواته، السلطة التي عبر بوقها الإعلامي وقوة أجهزتها القمعية في الميدان تحاول تعويم الغليان الجنوبي وتصويره كزوبعة غبار وسط اخضرار السهوب الوحدوية، زوبعة يثيرها "الموتورون الحاقدون"، على خلفية دعوات انفصالية لا تريد الخير للوطن الموحد الذي عم وزاد. هكذا تراه، بل وتمعن بإرجاع هذا الخير لتدابير سلطة ما بعد 94.
وعلى الرصيف المجاور تبدو الأحزاب التي تسمي نفسها معارضة وكأنما تنتظر فرجا مما وراء الطبيعة، وتدور في حلقة مفرغة من المناورات السياسية. ويتجلى تهوينها لما يجري عبر مماطلات اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة، أو التحرك باتجاه مشاركة حقيقية وفاعلة فيما ومما يجري. والاسترسال سيبدو إحالة على ما قاله بعض المحللين عن أن هذه الأحزاب تقف في كرسي المتفرج ودور المراقب، الذي حتى لم يحدد بعد موقفه إثر المراقبة، ولم (ولن) تتفق أطرافه على رأي وموقف، وذلك لتباين هذه الأطراف في مشمول بنائها الفكري والتنظيمي والسياسي، وتمازج مكعبات تكوين غير منسجمة داخل الشكل المشترك حد الخروج بكائن سريالي لا تدرك ماهيته.
لذا حان الوقت لابتدار رؤية مغايرة، منسلخة عن اجترارات العناوين السياسية والثقافية الماقبلية لإفرازات الواقع الذي داهم وحدة 22 مايو ونز صديده على جسدها؛ رؤية راديكالية تتموقع على بنى مغايرة لإعادة إنتاج الوحدة، وتبشر بفينيق من وسط رماد الوحدة القائمة.
لا يمكن إنكار أن العرى التي راهن رواد النهج الوحدوي عليها كأساس لقيام الوحدة قد تفتت أغلبها، وما تبقى مشكوك في هويته الوحدوية وقدرة تكيفه مع مستجدات ما بعد الوحدة والاحتراب، وأرتكاسات الحلم الطوباوي، وإفرازات الواقع ما بعد وحدوي، الشائهة... كل ذلك يحيلنا إلى تفكير جاد يدعو إلى إعادة إنتاج الوحدة، قافزا ومتحديا لدعوات أثبت الواقع عدم جدواها، من مثل دعوة السلطة في إطار تعبئتها الشعبية القبيحة: حماية الوحدة بالدم، غافلة عنوة عن أن الدم الذي تدعو إلى سفحه دم يمني، يجب صيانته، تبعا لإيمانها الوحدوي! أو الدعوة التي تقول بإصلاح مسار الوحدة، وأخرى أقرب إلى الاعتباط تطالب السلطة، التي هي طرف فيما يحدث، باتخاذ إجراءات سحرية لحل الأزمة كما توصفها، ورابعة، وخامسة، تدعو لحلول إدارية داخل البنى السياسية والجغرافية القائمة والمتهالكة. إحدى الدعوات فنتازية تقول للموجوع: لا تتألم، لا تصرخ، ولا تبدي حراكا! وكأنما على منوال: لا صوت يعلو على صوت الثورة أو الحزب أو المعركة، وتحته مورس كل صنوف القمع والانتهاك والتعذيب.
لذا، وحتى يستقيم الأمر ليمن موحد، ووطن مبتغى للجميع، بمواطنة متساوية، ومحاصصة عادلة في مشمول الأصول المعنوية والمادية لجميع أفراده، يجب إعادة إنتاج الوحدة على أساس مغاير لما سبق وحدث، وانتهاج قطيعة مع المقولات الجاهزة التي نظّرت للفكر الوحدوي، والدفع بمسارات سياسية واقتصادية وثقافية ضدا على وحدة ال18 سنة ونيف، والبدء من نقطة لا يعينها السياسيون فقط، ولا مصالح مراكز القوى، سواء قبلية أم حزبية إلى آخره؛ نقطة مسار تتوخى التنمية والتحديث و(يشدد عليه) التطوير... وحديثنا ممتد.
hudaalattasMail
حنايا - هل حان وقت إعادةإنتاج الوحدة
2009-07-30