حادثة الحصبة حين تصبح تأكيداً لتفاقم العنف وتلاشي الدولة- ماجد المذحجي
يتيح تبرير العنف بفكرة دينية إيقاظ طاقته القصوى، حيث يصبح ضماناً لخلود الجماعة وتعريفاً لهويتها التي تتأكد بإلغاء النقيض و"شيطنته". في حادثة "الحصبة" يحضر ذلك: جموع غاضبة ترى في عبدالملك البيضاني، المتهم بتمزيق القرآن الكريم، نقيضها الشيطاني، الذي يجب إلغاؤه لتؤكد ذاتها، ويصبح تدمير منزله على رأسه، وعلى رؤوس أفراد عائلته، بالنساء والأطفال الذين فيه، هو "المطهر" الذي يتم عبره التخلص من كل الخطايا الشخصية لكل فرد شارك في الهدم، وتصبح كل التفاصيل اللاحقة عن سيرته السيئة أو وجود سيديهات وصور وغيره تأكيداً إضافياً لـ"نقاء" الفعل الذي قاموا به، واكتمال "شيطنة" عبدالملك في المقابل!
إن حضور العنف بتلك الطريقة في "الحصبة" هو تأكيد لغياب السلطة. ذلك تأكيد جوهري، حيث العنف بطبيعته نقيض للسلطة، باعتبارها جهة تنظيم ورعاية على الأقل. وحين لا تستطيع السلطة، أي سلطة، وقف العنف، فهي تحاول تبريره. وإذا تفاقم فهي تتلاشى بالمقابل. حين حصلت حادثة هدم منزل عبدالملك كان أفراد الأمن موجودين، شهود محايدين على تفلت العنف وعجز السلطة أمامه. وحين تحركوا لإنقاذ عبدالملك من هدم المنزل على رأسه هو وعائلته، لم يكن ذلك انطلاقاً من واجبهم، بل لإدراكهم أنه يجب تبرير ما حدث. مقتل عبدالملك، أو أي آخرين في المنزل الذي هدم، لو حدث حينها كان سيلغي إمكانية تبرير الواقعة، وستتفاقم مسؤولية انفلات العنف على السلطة. إن أفراد الأمن بإخراجهم عبدالملك من تحت أيدي الحشود الغاضبة كانوا يحمون فشل السلطة في وقف العنف، ويحمون "الأضحية" التي ستقدم لتبريره، و"شرعنة" كل ذلك التمزيق العلني للقانون ووجود الدولة وكافة مظاهر الوحشية المتفلتة وغير العاقلة جهاراً نهاراًَ.
تم رعاية كل ذلك دينياً، حيث احتاج المحرضون والجمهور لمباركة ما سيقومون به. كان هناك لذلك خطيب الجامع، الذي قام وآخرون بالتحريض على عبدالملك، ولاحقاً الترويج لسوء سمعته هو وأمه "مكية"، والإشراف أيضاً على الهدم. ولكن هناك أيضاً روايتان عن دور الشيخ عبدالمجيد الزنداني في الواقعة من البدء. يقول من قاموا بهدم منزل عبدالملك والشروع في قتله إنهم استفتوه (الزنداني) في دم الأخير فأباح لهم دمه، وكما يبدو بيته وأرض البيت الخالية بعد الهدم أيضاً، والتي صارت وقفاً للجامع بقرار من خطيب الجامع، الخصم، بجوار آخرين، كما يفترض قانونا في القضية. بينما يقول مكتب الشيخ عبدالمجيد إنه نصح من اتصلوا به للاستفتاء في ما قام به عبدالملك باللجوء للشرطة والنيابة، معفياً نفسه من المسؤولية اللاحقة عما حدث! ذلك جيد إن حصل حقيقةً، وغير معتاد أو متوقع منه، كونه يصعب على شخص يحظى بثقله الديني الكبير من تسليم الناس بـ"غيرته" على الإسلام وبذله الدم ذوداً عن مقدساته، فهل يتخلى عن ذلك التقدير لصالح نصيحة ستبدو متخاذلة أمام مسلمين "غيورين" متحمسين للدفاع عن الدين يقول لهم فيها بالذهاب إلى الشرطة فقط؟
ما حدث مرعب، ويضع الجميع أمام مخاوف ما يفعله التحريض، واستجابة الناس للعنف، وغياب الدولة وحيادها أمام انتهاك القانون. يُمكن أن يصبح أي فرد أو جهة عرضة لما حصل في الحصبة ذاته، حين يقوم أحد ما بالادعاء عليه بأي تهمة تنال من علاقته بالدين، ودون أي تأكيد لها بالضرورة. لم يتعاطف الكثيرون مع عبدالملك أو أمه أو النساء والأطفال الذين كانوا في المنزل، حيث حدث الاعتداء عليه وهدمه، ابتدأ الأمر بالادعاء عليه بتمزيق القرآن الكريم، ليلتحق بهذا الادعاء استدعاء كل ما اتهم به سابقاً، والإشاعات عنه وعن دور والدته، ليصبح أي تعاطف عقب كل ذلك شراكة في ما قد يكون قام به، هو أو والدته، أو على الأقل تبريراً له. الأسوأ أيضاً أن أحداً لم يتعاطف مع القانون، الذي تم التعدي عليه وتأكيد غيابه بأسوأ طريقة ممكنة. ولم ينشغل أحد بإمكانية أن يكون عبدالملك ارتكب فعلاً كل ما اتهم به، ولكن ذلك لا يحرمه من حقه بالدفاع عن نفسه وعن كونه يمتلك حقوقا توفرها "مواطنيته" وخضوعه للقوانين.
maged
حادثة الحصبة حين تصبح تأكيداً لتفاقم العنف وتلاشي الدولة
2009-04-30