البحث عن تحسين سمعة بدلاً من المفقودين
اهتمام الأمم المتحدة المتزايد والمتعاظم -بحقوق الإنسان هو العنوان البارز للعلاقة بين هذه المنظمة الدولية، وأسر المختفين قسراً، وناشطي حقوق الانسان -جماعات وأفراد- في اليمن. وتمسك أرباب وأولياء وهذه الأسر، ببلاغاتهم السابقة واستماتتهم الصلبة في المطالبة بالكشف عن مصير ذويهم، هي العنوان الأبرز في هذه العلاقة القائمة على مبدأ أن حياة الانسان مصطفاة نبيلة ورفيعة جداً، حرمت الشرائع السماوية والقوانين والمعاهدات انهاءها أو ابادتها أو انتهاكها أو الانتقاص منها بالظلم أو التعسف أو القهر أو الخطف أو الاختفاء القسري غير الطوعي.
ويجد المتابع لملف الاختفاء القسري في اليمن أن العلاقة بين أسر المختفين قسراً والمفوضية السامية لحقوق الانسان سابقة بسنوات على العلاقة بين المنظمة والحكومة اليمنية، وتقوم على قوة الحجة وتشبث الأسر بحقوق ذويها المختفين.
البداية الزمنية لهذه العلاقة غير دقيقة لمن أراد توثيقها والتعاطي معها، فهناك من يرى انها بدأت عقب احداث يناير 86م ونزوح جماعات كبيرة ممن كانوا يُعرفون بـ«الزمرة» إلى الشطر الشمالي، وجعل صنعاء محطة للتواصل مع المفوضية بجنيف ونيويورك. واستجابت المفوضية -كما تبين تقاريرها- كثيراً لتقارير الاختفاء القسري التي كانت ترسل احياناً من باب توسيع نطاق المعونات والمساعدات الخارجية: المادية والمالية، لأسر المختفين قسراً وضحايا هذه الاحداث عموماً. وأحياناً أخرى من باب المماحكات وتصفية الحسابات مع الحزب الاشتراكي اليمني اثناء حكمه للجنوب.
ويتجسد هذا الرأي الأخير في ذلك التحامل غير المبرر الذي اظهره الرد الرسمي للجمهورية اليمنية الصادر في يوليو 2002م على المفوضية. فالرد الذي أعدته اللجنة الوطنية العليا لحقوق الانسان اثناء تولي علي الآنسي مدير مكتب الرئاسة، لرئاسة اللجنة، يحمل الحزب الاشتراكي مسؤولية هذا الملف، وينفي في نفس الوقت نفياً قاطعاً صحة تلك البلاغات المتضمنة حدوث حالات اختفاء قسري اثناء حرب صيف 94م وما بعدها.
العلاقة بين الاسر والمفوضية بدأت -بحسب مراقبين- قبل يناير 86م، فهناك بلاغات محدودة جداً و اقتصرت في الغالب على حالات الاختفاء خلال سبعينيات القرن الماضي. ولا بد هنا من الاشارة إلى الدور الهام والحيوي الذي لعبته وتلبيه المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات، وناشطون في هذا المجال، فهؤلاء يمثلون همزة الوصل الرئيسة بين اسر المختفين والمفوضية ويكادون أن يكونوا مصدر معلومات واتصال مباشر مع هذه المنظمة الدولية وقناة رئيسية لإيصال بلاغات الاختفاء أولاً بأول إلى المفوضية.
وبالتتبع للمحطات وللمحطات الزمنية الاساسية لهذا الملف الشائك، فإن عام 1998م يُعد نقطة تحول هامة في حلحلة ملف الاختفاء القسري في اليمن، فقد زار وفد من مفوضية الامم المتحدة لحقوق الإنسان كلاً من صنعاء وعدن خلال الفترة 17-21 اغسطس من ذلك العام وأعدَّ تقريراً مفصلاً عن حالات الاختفاء قدمه لاحقاً للحكومة اليمنية للرد عليه.
الرد الرسمي الأول الصادر عن الحكومة اليمنية في يوليو 2002 تضمن جوانب هامة، نوجز اهمها في النقاط الآتية:
- رغبة الحكومة، الملحة، في التعاون مع المفوضية لأجل حل قضايا جميع حالات الاختفاء القسري وبما يكفل إغلاق هذا الملف نهائياً.
- ان الملف ليس بذلك الحجم أو الخطورة التي تحدث في بعض الدول، ويتضمن حالات محدودة حدثت في ظروف سياسية معينة، وخص الرد بالذكر احداث يناير 86م.
- قيام الحكومة بتسوية اوضاع من تبين اختفاؤه في احداث يناير.
- الاعلان عن توجه الحكومة لمعالجة كافة قضايا الاختفاء القسري.
واكدت الحكومة اليمنية في ردها عدم تحفظها في تعويض أي اسرة ثبت فقدانها أحد أقاربها في احداث يناير 86م (لم يتم تعويض أي اسرة حتى اللحظة)، واعتبار كل من ذهب ضحية هذه الأحداث شهيداً وتتقاضى اسرته إعانة شهرية من جهة العمل التي ينتمي إليها «الفقيد»، وفي حالة عدم عمله في جهة حكومية تمنح الاسرة إعانة من طريق وزارة الشؤون الاجتماعية (الإعانة تبلغ 2000 ريال, 10 دولارات تقريباً، تبجح الحكومة رخيص).
وبالعودة إلى أدبيات مفوضية الأمم المتحدة فقد حددت جملة من الضوابط الاجرائية والاستنتاجات والتوصيات والفقرات المطلوب من الجانب الحكومي توضيحها، أبرزها: ملابسات حالات الاختفاء القسري المبلغ بها، وتشكيل فريق عمل يتولى التواصل مع جميع الأسر المعنية بتسوية القضايا القانونية فيما يتعلق بحالات الاختفاء، وإنشاء قاعدة بيانات تشمل جميع الأشخاص المختفين وأفراد اسرهم والتدابير المتخذة لمنع حدوث حالات اختفاء في المستقبل.
وهناك سلسلة اجرائية مهمة متصلة بالأطراف المعنية الأخرى (أسر المختفين والناشطين والمنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال) وتقوم هذه السلسلة على صحة بيانات بلاغ الاختفاء وتحديد عنوان وهاتف والبريد الالكتروني كل من هذه الاطراف، والتواصل مع المفوضية والالتزام بالمهلة المعروفة (ستة اشهر) وهو الاجراء الأهم.
وتبين وقائع عديدة ان الاجراء الاخير يشوبه ثغرات وإشكاليات وإرباكات عديدة تحول دون تواصل المفوضية مع هذه الأطراف لإبلاغها بالرد الرسمي لكل حالة من حالات الاختفاء قبل ايقاف النظر في الحالة من عدمه، وأبرز هذه الاشكاليات تلك المتعلقة بالعناوين وارقام هواتف الاطراف المبلغة بالحالة.
حتى الآن أوقفت المفوضية النظر في أكثر من 90٪ من الحالات (من أصل 142 حالة)، لكن الملف اليمني ما يزال عامراً، فقد أضافت المفوضية مؤخراً قائمة تضم 71 حالة جديدة معظمها لحالات سجلت عقب حرب 1994.
قد تفعل الحكومة آليات استخراج شهادات وفاة جديدة، لكن سمعتها في الخارج لن تتحسن.
***
البحث عن تحسين سمعة بدلاً من المفقودين
2007-05-17