في استنقاذ روح العدالة - سامي غالب
تغلبت روح الانتقام على روح العدالة فذهب الصحفي إلى السجن، وذهب «القضاء اليمني» مع الريح.
ظهر أمس (الثلاثاء) زرت عبدالكريم الخيواني في السجن المركزي. كان، على عهده، واقفاً على رجليه. لحظة مغادرته أومأ إليَّ أنْ انتظر، فلديه ما يشغله. سألني بصوت خافت عن الحالة المعنوية للمحامين الذين تولوا الدفاع عنه أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. لم ينتظر جواباً، فقد أضاف بسرعة: «منذ نقلي إلى هنا (السجن) وأنا مشغول بهم». وتابع: «أعرف أن صدمتهم بالحكم تفوق بأضعاف صدمتي». «كل الجهد الذي بذلوه طوال عام تلاشى في حكم القاضي»، ختم متأسياً على محامييه.
لاح من وراء السياج الحديدي الذي يفصلني عنه كناجٍ من مذبحة مروِّعة يريد الاطمئنان على مصير أحبته. لم أتردد في القول بأن المحامين هم من عداد الناجين، وأنهم منذ الصباح يتابعون النائب العام لتصحيح قرار النيابة بحبسه رغم أن الحكم ليس مشمولاً بالنفاذ المعجل.
وافقته بأن جهد هيئة الدفاع تلاشى تماماً في الحكم القضائي، لكنني في المقابل أبلغته بأن الجهد الذي تلاشى هنا حاضر بقوة في مواقف كل المنظمات الحقوقية والصحفية في اليمن والخارج، وبفضله ضُبطت السلطة التنفيذية في حالة تلبس، حتى أنها لم تتبجح، كما في مرات سابقة، قائلة: «القضاء لدينا مستقل، وإذا هناك خطأ بوسع الصحفي أن يستأنف الحكم».
***
في افتتاحية العدد الماضي شدَّدتُ على خصوصية حالة الخيواني، الصحفي المغضوب عليه. لافتاً عناية المعنيين في الحكومة إلى أن مجريات المحاكمة أزالت أي شك في إمكان تورطه في أي نشاط غير قانوني ضد الدولة. منوهاً، على وجه الخصوص، بالأداء القانوني لهيئة الدفاع عنه، الذي أدى إلى احتشاد صحفي وحقوقي محلي ودولي للتضامن مع الخيواني.
والآن فإن الحكومة اليمنية محاصرة أخلاقياً وقانونياً، جراء حكم بحبس صحفي لا يعرف أحداً الواقعة التي أدين بسببها، لأن القاضي اكتفى بتقرير العقوبة، فاستحق القضاء اليمني أن يوصم في تقارير منظمات حقوقية دولية بأنه «قضاء تعليمات»، و«أداة انتقامية تستخدمها السلطة التنفيذية ضد الصحفيين المستقلين والمعارضين».
***
الثابت أن اليمن أحوج ما تكون إلى قرار سياسي مسؤول يلجم «روح الانتقام» ويضع حداً للنزيف في مصداقية القضاء اليمني والتزامات الحكومة تجاه المجتمع الدولي، يبدأ بإفساح المجال للنائب العام لتصويب إجراءات النيابة الجزائية المتخصصة والإفراج الفوري عن «الصحفي المغضوب عليه».
Hide Mail
في استنقاذ روح العدالة
2008-06-12