بين الدور السعودي والقطري في اليمن والمنطقة - محمد المنصور
لم تخيب السلطة توقعات الذين راهنوا على فشل الوساطة القطرية مع الحوثيين، وبشروا بحرب خامسة، قبل أن يجف حبر اتفاقية الدوحة الموقعة من قبل د/ عبدالكريم الارياني المستشار السياسي للرئيس، وصالح هبرة، ممثلاً عن عبدالملك الحوثي مطلع فبراير الماضي.
ولقد كانت ردود الفعل المشككة في الاتفاق، والكتابات التحريضية باتجاه الحرب، والمواقف المماثلة، هي الخلفية لما يجري اليوم في صعدة وخارجها ضمن سيناريو الحرب الخامسة الذي كأنما أعد مسبقاً ليرسم نهاية يتمناها أو يسعى لها أكثر من طرف في الداخل وعلى صعيد الأقليم.
الحرب الخامسة اتخذت من جريمة جامع بن سلمان بصعدة 1/5/2008 وعدة أحداث قبلها شهدتها صعدة ميدانياً وعلى صعيد تعثر لجان الوساطة، منطلقاً لصراع أشد فتكاً ودموية ومخاطر على كل صعيد... في وطن لا تنقصه الحروب والمجاعات والتوترات والازمات.
قبل أن تنطلق شرارة الحرب الشاملة، غادر القطريون إلى الدوحة وبقيت اللجنة الرئاسية الجديدة برئاسة البرلماني على أبو حليقة في صعدة ترقب ما يجري، لم تعلن السلطة ولا الحوثيون نهاية الوساطة كما فضل القطريون الصمت الذي يقتضيه عمل الوسيط، كأنما يراد للمدافع والطائرات وعبثية الحرب وبشاعتها أن تحقق للمعادلة القائمة عنصراً مفقوداً، ليس اللبّ فيه البند السابع ولا رواية المصدر المسؤول عن جريمة جامعة سلمان المقززة، ثمة شيء كان يعتمل هنا وفي المنطقة... تذكروا فقط الأحداث التالية:
- ضغط عسكري أمريكي عراقي على التيار الصدري في العراق.
- إصدار حكومة السنيورة القرارين اللذين اعتبرهما حزب الله إعلان حرب، ووقوف السعودية ومصر ودول أخرى خلف حكومة السنيورة، وما أستتبعه من أحداث.
- زيارة بوش للمنطقة للاحتفال بالذكرى ال60 لقيام دولة الكيان الاسرائيلي.
- اشتداد الغارات الاسرائيلية على غزة، وقطع الامدادات النفطية لمحطة كهرباء غزة. وصف محللون عرب وأجانب سياقات تلك الاحداث وتفاعلاتها الدبلوماسية والإعلامية بأنها تندرج ضمن الصراع بين مشروعين في المنطقة الأول: المشروع الشرق أوسطي بقيادة أمريكا وحلفائها في المنطقة، والثاني بقيادة إيران وحلفائها الموصوفة بدول الممانعة.
كان مفاجئاً للمراقبين خروج مجلس الوزراء السعودي في اليوم السابع لحادث جامع سلمان بتصريحات مؤيده للحكومة في مواجهة المتمردين بصعدة وتحميلهم المسؤولية فيما يجري بالمعنى الذي فسره المراقبون بأنه بمثابة تأييد للحكومة اليمنية في المضي عسكرياً لحسم الصراع. لم يكن الموقف السعودي مفاجئاً إلا بالوضوح الذي عبر عنه على غير مألوف الدبلوماسية السعودية الهادئة، وقد قارنه البعض -أي ذلك الموقف السعودي- تماماً بالموقف السعودي الأخير من حزب الله الذي اعتبر فيه ما قام به الحزب والمعارضة اللبنانية بأنه انقلاب، ما وضع السعودية طرفاً في الصراع اللبناني وجرَّ عليها خسارة الدور والمكانة التي كانت لها في لبنان والمنطقة بنتائج ما آلت إليه الأمور اللبنانية في اتفاق الدوحة واضطرار حلفائها في حكومة السنيورة إلى القبول بما ظلت ترفضه طيلة عام ونصف.
الموقف السعودي من الأحداث بصعدة منذ العام 2004، يمكن النظر إليه بأنه كان مؤيداً للسلطة، التي راح بعض خطابها الإعلامي يصور ما يجري بأنه ضمن مظاهر الخطر الشيعي الاثني عشري الذي تتصدى له نيابة عن دول المنطقة. وعززت زيارة الرئيس علي عبدالله صالح الأخيرة للرياض -التي سبقت القمة العربية أواخر شهر مارس الماضي- قناعات كثيرة بتوافق الطرفين حول الاحداث في الجنوب والمجريات بصعدة وغيرها مقابل فتور ملحوظ في العلاقات اليمنية -الامريكية. الموقف السعودي الداعم للحرب بصعدة عبرت عنه زيارة رئيس الاركان السعودي، ورئيس سلاح الحدود لصنعاء ولقائهما مؤخراً بالرئيس وكبار مسؤوليه، وورود أنباء بمشاركة ميدانية سعودية في التنسيق العسكري، وتزويد الجيش اليمني بالعتاد، وكان ملحوظاً خلال زيارة المسؤولين العسكريين السعوديين افتتاح محافظ صعدة الجديد والقيادة العسكرية مطار صعدة الدولي الجاهز -كما ذكرت صحيفة «26 سبتمبر»- لاستقبال جسر جوي وطائرات عملاقة من طراز (جامبو 747) لا تمتلكها اليمن بالطبع وفي أجواء الموقف السعودي الداعم للحرب بصعدة، عنونت صحيفة محلية خصصت للحرب وتداعياتها في عددها الصادر يوم 10/5: «صعدة انكسار طموح فارسي وتلاشي قلق سعودي»، وأخرى شبيهة عنونت: حتى لا تكون اليمن لبنان».
ومن الغريب والمريب في أن تهليل بعض الاطراف الداعمة لاستمرار محرقة صعدة -بتعبير الدكتور عبدالله الفقيه للتدخل السعودي، وسوق التبريرات لذلك التدخل الخطير بكل المقاييس: الدينية والوطنية، والسياسية، والاجتماعية. في حين أنها شككت في المساعي القطرية ودوافعها، وراحت تضع المعوقات على الأرض وعلى المستوى الإعلامي للحيلولة دون تنفيذ الاتفاق، وحقن الدماء اليمنية العزيزة التي تراق لإرضاء الآخرين، ومراعاة لمصالحهم وأمنهم القومي من منظور مذهبي يضخم خطر الحوثيين، ويصفهم بحزب الله آخر على الحدود الجنوبية للمملكة، ينبغي التصدي له.
قد يتفهم المرء قلق بعض التيارات الإسلامية في اليمن، التي ترتبط بمرجعيات دينية سعودية، من انجرار البلاد إلى صراع طائفي يهدد وحدة الشعب اليمني، ويهدد التسامح والتعايش الموروث. لكن ما لايمكن تفهمه التبرير للحروب العبثية على صعدة بكل نتائجها المدمرة، لمجرد قلق دول الجوار، وخاصة السعودية التي تدرك جيداً مكمن الخطر المهدد لحكمها، وكذلك السلطة في اليمن، حيث تعايشت الزيدية -منذ قيام دولة الملك عبدالعزيز وحتى اليوم- مع المذاهب في اليمن والمملكة.. في العمق الاجتماعي والثقافي، وعلى الحدود الجغرافية، دونما أي مظهر للصراع، وثبت للحكومة السعودية أن مكمن الخطر عليها يأتي من داخل التيار السلفي المتطرف الذي هو في تضاد مع نفسه ومع غيره من المذاهب في اليمن والدول الإسلامية.
إن قبول المبرر الذي يسوقه البعض -بدوافع مذهبية- للتدخل السعودي لإدامة الحرب والصراع في اليمن بزعم التصدي للخطر الايراني الشيعي، هو دعوة لتدويل الصراع والذهاب به أبعد من قطر، واعتراف ضمني بأن الجيش اليمني يؤدي وظيفة «المرتزقة»؛ بما أن القضية هي كما يطرحها أحد الكتاب بصحيفة «الناس» 2/6/ 2008 في موضوعه المعنون: «حرب صعدة الخامسة.. دور سعودي ورضا امريكي وصمود حوثي يؤخر الحسم»، والذي قال فيه: «وربما يكون من حسن حظ السعوديين فشل الوساطة القطرية الذي سيعيد لهم دورهم المسروق منهم والذي لا يستطيع أحد غيرهم أن يؤديه نيابة عنهم، وعلى هذا الأساس يبدو أن السعودية قررت أن ترمي بثقلها السياسي والعسكري مرة أخرى على الساحة اليمنية لتحمي نفسها من الخطر المتربص بها عند حدودها الجنوبية».
إن الكاتب يكشف هنا عن نوعية من التفكير السائد لتبرير الحرب -من منظور مذهبي ضيق- لا يرى المأساة الانسانية في صعدة وخارجها، ولا يرى شبح الانقسامات والتمزقات الناجمة عن الحرب، ولا يلقي للسيادة الوطنية بالاً. المهم لديه -للأسف- فشل الوساطة القطرية، واستعادة السعودية دورها المسروق، حتى وإن هلك أبناء صعدة وغيرها، والجيش اليمني وهيبة الدولة التي كانوا يتباكون عليها عند الاشارة إلى الوساطة القطرية واتفاق الدوحة. كنا نتمنى على المملكة العربية السعودية القيام بدور الساعي إلى وقف الفتنة، وحل المشكلة سلمياً؛ بما لها من ثقل ومكانة، ولو على حساب قطر أو غير قطر. أما أن تخوض السعودية أو غيرها حروبها مع الآخرين وتدخل طرفاً في نزاع يثير عليها كوامن مشاعر اليمنيين بالغبن والدونية التي تعاملهم بها منذ اتفاقية الحدود التي لم تعد عليهم بنفع، فذلك ما لانرجوه لها، ولا لمستقبل علاقات البلدين، ونتمنى على السلطة في بلادنا ألا تصغي لمزيد من الأصوات التحريضية التي تزين لها: الحسم، الإستئصال، الإبادة. فلقد باءت كل تحليلاتهم ومسوغاتهم للحرب بالفشل وجرّت على السلطة والشعب أعظم الكوارث، ولم تجد فتاواهم التكفيرية وتعبئتهم الطائفية والعنصرية سوى ردود فعل عكسية لربما يفهمونها اليوم جيداً. أما الأشقاء في السعودية فنرجو ألا تدفعهم حسابات العلاقة مع إيران وقطر إلى مفاقمة المشكلة بصعدة وغيرها، لأن إضعاف اليمن خطر على المنطقة وعليها، وأي إخلال بالتوازنات في داخله، لن يكون في صالح السلطة كذلك.
بين الدور السعودي والقطري في اليمن والمنطقة
2008-06-05