ما قبل الدولة.. وطن وراء القضبان - عبدالكريم الخيواني
في السجون أشياء أخرى غير مرارة سلب الحرية. السجن واقع آخر تكتشف من خلاله تفاصيل حياة مجتمع، أسراره، عيوبه، أخلاقياته، تماسكه. ليس مجرد وجود سجن يعني وجود دولة، إنما وجود عدل وقضاء نزيه وتطبيق فعلي للقانون واحترام للحقوق والحريات، هو عنوان حضارة مجتمع وتأكيد سيادة دولة وهيبتها. وحتى لا يبقى السجن ذلك المجهول المخيف الذي يشاع أنه أنشئ لإيواء المجرمين والخارجين على القانون، فقط، أصطحبك في جولة موجزة إلى السجن وسماع المساجين حيث تجد نفسك أمام واقع ما قبل الدولة في السجون، ليست قعر المجتمع هي، وإنما هي واجهة الدولة، قضائياً وقانونياً وحقوقياً بل وإنسانياً. قبل الوصول إلى المركزي دعونا نعرج على الاحتياطي.
الحياة احتياطياً
يوجد في العاصمة صنعاء أربعة سجون احتياطية، صُمّمت بالمساحة وبالمواصفات نفسها تقريباً، فإلى جانب الإدارة يوجد بها حوالى تسع غرف مساحة كل منها حوالى 3×6 أمتار، وقد يقل بعضها عن ذلك، تتكون من دورين: الدور الأعلى يعد مميزاً ويعتبر محظوظاً من يوضع فيه وإن كان الحظ وحده لا يكفي. أما الدور الأرضي، فناهيك عن الرطوبة الشديدة، يوجد سوء تهوية خانقة تتفاعل مع زحمة المساجين في الغرف لتخلق رائحة كريهة لا تطاق. والزحمة هي القاسم المشترك لجميع العناصر، حيث قد يصل معدل من في العنبر الواحد ما بين 300-400 وأكثر أحياناً. إن عدد المساجين (احتياطي) ما بين 420- 450 سجينا. ورغم أن الاحتياطيات سجون مؤقتة، إلا أن ثمة مساجين يقضون داخلها السنة والسنتين، والثلاث. ويرجع الفضل في تكدس السجناء إلى تقاعس ولا مبالاة بعض رجال النيابة والقضاة. رغم ذلك فالسجناء يفضلون الاحتياطيات على غيرها، لقربها من خطوط المواصلات للزائرين، وتبادل التعاون مع العساكر، والتسهيلات في الاتصال أو لقاء محامي، وتتفاوت السجون الاحتياطية الأربعة في الزحمة والشدة، وقيمة وحجم التعاون، وحتى في النظافة. ولا يوجد في الاحتياطي تحقيق، ولا يخضع السجين للتعذيب كما في البحث الجنائي الذي صار التعذيب القاسي هو الأصل والوسيلة الوحيدة المتبعة لجميع رجال المباحث الذين يتبعون هذا الأسلوب للتعويض عن غياب الكفاءة والقدرة والموهبة المطلوبة في طبيعة عملهم مستندين إلى غياب أي حساب أو عقاب. ولعل البعض يتذكر أن أشهر قضية تعذيب تعرض لها الشاب سامي الشرجبي برأ القاضي فيها الجناة، مستنداً إلى قرار وزير الداخلية بعدم ارتكاب ضباطه جرماً في القضية. قصص وأهوال التعذيب في البحث كثيرة جداً، وكلها تؤكد عدم وجود قيمة للإنسان، قيمة للمواطن، والقانون والعدل والنظام. ويبقى المواطن مداناً حتى تثبت براءته، في اليمن، حتى إيذان آخر.
دولة السجن
لم يتغير السجن كثيراً عمَّا تركته. هو ذلك المنفى للآخر. لكن ثمة تغييرات دخلت، من الإجحاف عدم ذكرها. توجد مكتبة أُنجزت بمبادرة من الصندوق الاجتماعي للتنمية، إلى جانب ترميم وتأثيث المصحة النفسية التي تنتظر مبادرة خيرية لتشغيلها كمصحة نفسية، وليس كقسم في السجن للمجانين. المكتبة جيدة وتحتاج لدعم ومساعدة بعناوين علمية من الهيئات والمراكز، وتحتاج لقبول لا تسيطر عليه العقلية الأمنية، هذا أدخل التعليم الجامعي للسجن، وهذا إنجاز رائع، وتبرع أحد المحسنين بأربع غرف (للخلوة الشرعية) غير أنها غير كافية، نتيجة للعدد الكبير للمسجونين، وهناك أمل بمضاعفة عدد الغرف. الغذاء تحسن في السجن، صار الرز فعلاً "رز"، والدجاج "دجاج" وتسمع همساً من المساجين أن الفضل في ذلك يعود للمقدم "الكور" والطباخ الهندي الذي لم يجد من يسمع شكواه ويتفهم قضيته التي أحيلت من النيابة إلى مصلحة السجون. "القروانات" تحسنت وتحتاج تحسيناً وطريقة أفضل لتوزيع الأكل في الوجبات التي يعتمد عليها حوالى نصف السجناء.
"مهرجان يومي للضجيج"
لعل الزوار يشعرون بالوحشة وهم يزورون أحدا ما في السجن المركزي، وهذا انطباع حقيقي لمشاهدة مئات الأشخاص في غرفة 15 مترا يفصلهم شبك حديدي غليظ يتبادلون الصياح في موعد يومي يعد "مهرجان ضجيج". وهذا المكان والموعد هما نافذة السجين الوحيدة لمتابعة أهله وقضيته وحاجياته، بل وحتى اللقاء مع المحامي إذا... إذا... لزم ذلك، وتبقى الزيارة في محصلتها مشهداً لا إنسانياً يحتاج لإعادة نظر، وإن كانت الإدارة تعتبر الزيارة في وضعها الحالي ترفا.
كما نازحي الحروب!
في سبيل النظافة مقرر يوم للغسيل في كل قسم. وفي هذا اليوم تشاهد مساجين القسم من الساعة 6.30 صباحاً يخرجون حاملين كل أشياءهم (فرش، بطانية، ملابس) يسحبون أقدامهم على الأرض، مغادرين نحو الساحة في مشهد جماعي أقرب ما يكون لمشهد نازحي الحرب في كوسوفو. وفي الساحة الترابية يلقي السجناء أشياءهم على التراب، والبعض يلقي ثقله عليها أو داخلها ليكمل قسط النوم، بينما يقوم آخرون بغسل العنابر بالماء. ظهراً يعود النازحون، ومعهم الفرش والبطانيات محملة بتراب الساحة. ومن المؤكد أن هناك طريقة أخرى تستطيع تحقيق الغاية بشكل لائق عندما لا تكون النظافة هدفها التفتيش، كطابع عقاب جماعي، ومن منطلق أن النظافة مسؤولية شخصية أيضاً، حتى لا يكون نازحو النظافة كنازحي الحروب.
مركزي.. وخاص أيضاً
الزوار في المركزي يقرأون لوحة عُلّقت بجانب غرفة الزيارة، ليس عليها ما يفيد أنه لا يسجن أحد إلا بحكم قضائي باتّ، نعم، باتّ، ووضع عليها رقم المادة من القانون. لكن ذلك لا يفترض أن يؤخذ بجدية، حيث هناك مساجين محالون من الأمن السياسي، مثلاً السجين "بن معيلي" الذي حُوكم بعد سنوات، عندما طرحت قضيته للصحافة. وهناك غيره، هناك رهائن، نعم، رهائن على ذمة قضايا تحكيم لدى نافذين. وهناك سجناء يسمون سجناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر (عافاه الله)، لا توجد معلومة عن العدد الكلي، ولكن ثمة اتفاق سابق مع الشيخ حميد الأحمر بناءً على موافقة والده بالإفراج عنهم، والمطلوب كشف بأسماء المساجين، لم أجد إليه سبيلاً، ولعل الشيخ حميد يمتلك سبيلاً أفضل. وهناك سجناء اللواء علي محسن، كان آخرهم فتىً أرسل إلى المصحة في منتصف يوليو الماضي. المجانين في السجن لا يحالون من أطباء بالضرورة. لذا فالسؤال عن ذلك سيبقى بلا رد. لا تفكر بالتعليق حتى.
وبعيداً عن شكوى سجين هنا أو هناك، من قسوة ما أو ضرب ما وسهولة التعليق و"الكلبشة"، فلا توجد مساواة داخل الحبس بين المحابيس، وتغيب عن البعض، حيث تسمع عن سجناء لا يرون الشمس إلا نصف ساعة ثلاث مرات أسبوعياً، ونصف ساعة للزيارة ثلاث مرات أسبوعياً أيضاً، فيما هم لا يغادرون عنابرهم المغلقة التي صارت بين حاجزين ولا يسمح حتى بالسؤال عنهم، بل ويعاقب السجين الذي يتجرأ ويسأل أو يسلم عليهم من الباب، كما حدث مع السجين محمد الضمدي، وبجاش الأغبري، وهؤلاء المحابيس المحرومون من المساواة في الظلم تهمتهم أنهم "حوثيون" ما تسمى بخلية صنعاء، ووضعهم يثير الاستغراب خاصة لو قورن مع امتيازات سجناء آخرين في قضايا خطيرة.
إختلال النظام
القضاة لا يبالون بسلامة الإجراءات وحقوق المتهم وقدرته على الدفاع عن نفسه، وعدم وجود محام، وما تعرض له في التحقيق، بل وحتى الشكوى من التعذيب من ناحية وطغيان التأجيلات على القضايا وقد تأتي الحركة القضائية وبعض القضايا على مشارف الانتهاء، ثم تعود من البداية بسبب تغيير القاضي، تبدأ دورة زمنية أخرى لا يعرف السجين كيف يحسبها أو يسقطها من عمره حتى وإن تحايل عليها البعض بعبارة "الاكتفاء بالمدة".
كامل العدد
السجون كاملة العدد ومزدحمة بفضل النظام القضائي. ويسجل لبعض القضاة ورجال النيابة حرصهم الشديد على بقاء السجون ممثلة، ممتلئة: فمقابل سهولة الأمر بالسجن هناك صعوبة شديدة في الافراج، ومماطلة وتسويف الى جانب اللامبالاه السائدة، وغياب الاستقلال عن القضاء، والقضاة، وقبول التوجيهات، وتدخل النافذين والشعور بالضعف أمام الوجهاء والمسؤولين الأمنيين والعسكريين خاصة.
وفيما بدأت الإجازة القضائية والتي ستستمر الى ما بعد عيد رمضان المبارك القضاة ورجال النيابة بقدر الاستعجال على الإجازة وفي سبيل الاستعداد لم يبت البعض بالكثير من القضايا، بل أجلوها غير آبهين بينما هناك من كان ينتظر قرار الإفراج، أو البراءة، أو نهاية المدة، أو الخروج بضمانة، بل هناك من لديهم قرار الإفراج بضمانة لكن تلكؤ نيابات ما حرم سجناء من ذلك.
لنقف أمام حالات وأمثلة نوضح للصورة.
يوجد في القانون ما يؤكد الأفراج على ثلاثة أرباع المدة للسجين حسن السيرة والسلوك أثناء تنفيذ العفوية لكن ذلك لا يتم إلاَّ نادراً أو يحتاج لوساطة، ومراجعة مهما كان السجين حسن السيرة والسلوك ومهما كانت المدة. مثلاً هل يعلم النائب العام بالسجين علي غوبر الذي قضى 12 من 15 سنة، أو فؤاد التام الذي بقي له 6 أشهر من 4 سنوات.. أو لما لا يستفيد السجين من القانون؟
سجناء خارج القانون
رئيس المحكمة العليا والنائب العام يعلمان جيداً القرار الصادر بالإفراج عن جميع المساجين خارج القانون الذي اتخذ عقب الاجتماع مع محامين من هيئة الدفاع عن المعسرين (نبيل المحمدي، هائل سلام، محمد المداني) الموكلين عن المعسرين، هذا القرار فعلاً بدأ ينفذ ولكن بالقطارة وفي سجون ومحافظات دون غيرها، ووصل العدد الكلي الى حوالي 70مراجعة ومتابعة، بينما المفروض أن النيابة العامة، قامت بوضع آلية لتنفيذ القرار مباشرة دون الحاجة لمراجعة ومتابعة، خاصة وان وجود أحكام بالاعسار اختصر الطريق أمام قاضي التنفيذ.
انما ذلك لم يحدث حتى الآن، رغم استمرار اهتمام هيئة الدفاع والجهد الرائع والمتميز لصحيفة «النداء» والزميل علي الضبيبي في متابعة قضية المعسرين، حد أن كل سجين معسر صار يشعر أنه مدين بحريته لهم جميع، ما يمنع النيابة؟ لماذ لا يتابع القاضي عصام السماوي القرار؟.. الله يعلم.. غياب تأثير الآلية حقق قيمة هذا الأنجاز وما زال سبباً في مأسي منها وعلى سبيل المثال، والعلم.. عميد المعسرين 15 سنة.. شبام الرجل الذي يشكوا الى الجدر.
علي حسن شبام كان طرفاً خسر ماله بسبب ارتفاع سعر الدولار وانخفاض الريال وضمن خسارته خسر مبلغاً أستدانه من (تاجر).. حكم عليه بالسجن على أشهر، وأعادة المبلغ، لم يستطع الوفاء بالمبلغ الذي تضاعف أكثر من خمس مرات بسبب ان القاضي حسب المبلغ بالدولار وليس بالريال كما أستدانه الطرف ثلاثة أشهر شبام فقد عقله بالسجن خلال 15 عاماً، لا يهتم بشيء يتحدث مع جدار (العنبر) محاولاً اقناعه بمظلمته، بعد شوعي يعتبر شبام عميد المعسرين، الدائن توفى وأبناءه لا يعلمون شيئاً ولا يتابعون، بل أنهم تعاطفوا مع شبام عندما سئلوا، بينما النيابة محتفظة بالضحية حتى آخر رمق، وتطلب ضمانة.. هو سجين خارج القانون وهم يريدون ضمانة.
أشهر المعسرين..
الحميضة علي الحميضة صار مثلاً لتغير الأحوال ولعله أشهر المعسرين و شهرة معرض قادسية السيارات وهو معروف لدى أصحاب القرار والمسؤولين وبالرغم من ذلك فما زال في السجن رغم حكم الاعسار يتحدث عن الفرج القريب باعتداد «عزيز قوم» لا يريد أن يصدق فجيعته، أو يبث مأساته.
عبدالباسط الأديمي مقاول معروف، أنجز حديقة تعز، أفلس وهو معسر لكن لم يجد سبيلاً للأفراج عنه، ولا يعرف لماذا ينتطر بعد سنوات سجنه المضاعفة.
الشرفي والدنانير غير ذات القيمة
عبدالله الشرفي سجين منذ حوالي 12 عاماً على ذمة دنانير كويتية غير ذات قيمة من عام90 ومع أن وضعه وحالته المعسرة تكتشف بالنظر، ولديه حكم اعسار ما الا أنه ما يزال باقياً يترقب الفرج للحاق أسرته المشتتة،.. وهناك الكثير، والكثير من المعسرين التي انتهت مدتهم وصار بقاؤهم خارج القانون وينطبق عليهم القرار لكن غياب الآلية وعدم تنفيذ القرار الصادر من العليا، أبقاهم حتى الآن يعتقد البعض أنهم سيكونون ضمن مكرمة رمضان الرئاسية وأن هذا سر الاحتفاظ بهم!.
خارج القانون
يوجد مساجين حكموا بالبراءة ولكنهم داخل السجن بناءً على الاستئناف، وهناك احكام استئناف بالبراءة لسجناء ينتظرون تأييد العليا.. وبين الدرجة والدرجة القضائية الأعلى سنوات لو تعلمون.
كنموذج.. احسن المالكي.. حدث حكم بثلاث سنوات في الأبتدائية، استأنف وحكم له بالبراءة ولكن لم يغادر السجن الا قبل شهرين بعد 6 سنوات، حتى نزل الحكم من العليا، عادل التام.. حكم عادل التام بالبراءة في الأبتدائية ولكنه بانتظار الاستئنافية، والعليا لا يعلم كم سيقضي من السنين.. بانتظار الفرج يسأل ما قيمة البراءة طالما هو مسجون أو ليس بالضمانة، حل لذلك.. أذاً؟.
ايدت الحكم ل5 وقضى 11. عيال النجاشي.. محمد النجاشي، وفؤاد النجاشي يقضيان العام ال11 بناء على حكم ابتدائي قضى خمس للأول، و10 للثاني، وأيد الاستئناف وينتظران عودته من العليا، وقد طالت غيبته، محمد أضاف 6 سنوات على الحكم وفؤاد سنة، والحكم في العليا منذ اكثر من عامين.. «متى با يعود» سؤال يجيب عنه الروتين القضائي وهناك الكثير، والكثير.. لعل الذكرى تنفع عند القاضي عصام أملاً أن لا ينسى ايضاً علي موسى أقدم سجين يمني الذي حكم بالأعدام بعد 40 عام واتساءل: هل يستطيع أن ينصف قاضياً حرم من محاكمة عادلة، وسلبت أوراق قضيته من ملفه، انه القاضي العربي عمر الذي تكالبت عليه غطرسة وجاهه، وصلف مسؤولية، وعصبية قبلية، القضية لديه لو أراد.. وخذله القضاء، والقضاة، لم تجد توجيهات الرئيس لمراجعة القضية واحضار الغرماء، هل يكون القانون والعدل قبيلته؟.
مستثمرون في السجن
نعم.. في السجن كل شيء.. حتى المستثمرون.. لعل البعض يسمع عن عبيد باقيس مالك شركات الصيد والسفن.. أنه في السجن مؤخراً أمتلك مطعماً لتوفير قوته.. أن يخشى حتى أن يذيع قضيته.
غير الأثيوبي الذي لبى دعوات الرئيس والحكومة للاستثمار، ووجد نفسه في السجن، هناك المصري محمد عبدالمنعم الذي توفي بسكتة قلبية في السجن حيث كان مريضاً بالقلب ولم يحصل على أبسط عناية ولم تجد محاولاته لتقديم الضمان حيث يملك ثلاث سفن شحن أحداها راسية في عدن،.. سفارته عربية كالعادة لا تهتم بمواطنيها، لم يستطع حتى تدبير محام وتعرض للنصب، ولم يشفع له مرضه، ومات وقهراً على حاله، خصمه كان المؤسسة الاقتصادية التي أتهمته بأتلاف شحنة غذائية كان يقلها من عدن الى سقطرى.
البنك الوطني.. التصفية.. والهمداني
يتذكر الكثير قضية البنك الوطني، ما تزال لجنة التصفية تمارس مهامها وتصرف يومياً مبلغ ثلاثمائة الف ريال على حساب الدكتور أحمد الهمداني الذي لم يعد باقياً سواه على ذمة القضية أما أعضاء مجلس الإدارة المحتجزين أفرج عنهم، أما الهمداني فلم تقبل نيابة الجزائية بقرارات الافراج بالضمانة، ولم يشفع له كبر سنه 73 الرجل متحفظ، ويتعامل بلغة دبلوماسية لا يقبل البوح، ولا يميل للشكوى لكنه يؤكد أن شخصاً ناجحاً، وأن الاجراءات المتخذة خاطئة بحقه والبنك، بقاء الهمداني وحده سجيناً، لا يوحي بالإدانة قدر ما يوحي بالعقاب، ويبقى السؤال: لماذا يرفض الافراج عنه بالظمانة كأمثاله؟ ويحاكم حضورياً؟.. قضية البنك الوطني ومن خلال اجراءات التصفية التي وصفها تقرير برلماني بالخاطئة في المعالجة، غامضة، واستمرار سجن الهمداني وحده لا يكشف الغموض بقدر ما يضاعفه حتى وإن كان العقاب لا يخفي نفسه كهدف في الموضوع، لو عرفنا أن الوحيد الذي يحضى بلقب وزير سابق في السجن؟ أحدث.. تصادف صبيان في السجن أعمارهم 14 عاماً وتسألهم: ما القضية فيقال: مطلوبون للشهادة، أرسلوا من البحث بعد ثلاثة أشهر سجن.
وتشاهد مغترباً يصيح: ما قضيتي؟ أجلدوني؟ وتسأله ما حكايته فيقول: قبض عليّ في حالة سكر.. أخذت الى البحث، و معي سيارة جديدة، ولدي 19 الف سعودي.. بقيت في البحث 43 يوم، طالبت خلالها بالجلد والأفراج عني، ولكن ممتلكاتي، أرسلت للسجن المركزي. ويضيف: لن أتنازل عن السيارة ومالي.. لمن أشتكي؟ من ينصفني؟
العلاج بالحبة الحمراء والبيضاء المجانين موجودون مؤقتاً في المستوصف الذي يسخر من خدماته السجناء بتسميته مستوصف الحبة الحمراء والبيضاء والتي يصرفها للجميع ولكل الأمراض، ولا يخل بالزنتاك للمعدة أن لزم الأمر.
يقال أن المجانين حوالي 70، ولا تعلم من اين أرسلوا، خاصة عندما تعلم أن سجناء يرسلون الى المصحة كنوع من العقاب، وتستغرب اكثر عندما تسمع عن مجانين شنقوا أنفسهم؟.
سجن النساء
سجن النساء نظيف، ويلقى عناية ودعم منظمات حقوقية ودولية، لم يعد للشرطة النسائية وجود فيه، رجل كبير في السن يقوم بحراسته والسجينات يعانين من الإختلالات القضائية، مثل السجناء حتى في الأفراج بالضمانة المقررة من القاضي، لا يوجد عزل إلاَّ للأيدز.. أما بقية الأمراض (كبد، سل،..) وغير ذلك، فلا عزل.
الرئيس.. إستثناء أم انتقائية؟ بجاش.. أبو هريرة
بالرغم من صدور عفو رئاسي في قضايا إلا ان محكومين ما يزالون موجودين ولا تعلم سبب الاستثناء مثلاً.. بجاش الأغبري ما يزال في السجن رغم خروج باقي المحكومين عليهم في نفس القضية بعفو رئاسي يشتبه لم يشتبه، ورغم أن شعر رأسه أبيض وفقد بعض أسنانه في السجن منذ 12 عاماً.. فثمة إصرار على لقائه سجيناً.. ثمن.. و لماذا؟ التونسي هو الآخر الوحيد الباقي من جيش عدن أبين، يؤكد أنه لم يكن مع الاختطاف، وكان مختلفاً في السجن مع رفاقه حول ذلك، أعمق فكراً وأوسع أفقاً، يعلن ان لديه أسراراً عن 11 سبتمبر في نيويورك بالرغم أنها حدثت وهو في السجن.. بعد خروج كل من كان معه بقي هو في أزمة نفسية أكبر، أحيل الى المصحة، ويزداد وضعه تدهوراً وتحتار ما الجواب.. إذاً ما مثل هل العفو خاص باليمنيين؟ هكذا يسأل مضيفاً: أين الهتار؟.. في المحكمة لم يكن محل رضى كثيرين، كان جريئاً وواضحاً.. من أستثنى «أبوهريرة» من عفو الرئيس؟ من يملك جواباً؟.. ليرتاح ابو هريرة.
أخيراً.. أسئله برسم الرئيس
لدينا، شرع، ودستور لدينا قضاء، وقضاه، ونيابة وقوانين، وانظمة، لدينا شعارات عن الحقوق والحريات لدينا نظرياً أشياء ومسميات كثيرة لكن أين هي في الواقع؟ لماذا تحضر عند ما تكون ضد المواطن وتغيب عندما يريدها؟ ما قيمة وجود قانون نظرياً؟ ما قيمة وجود قضاء ضعيف مسيَّر لا نقصه، ولا يثق به المواطن؟ ما قيمة الدولة في غياب العدل والإنصاف، وعدم احترام القانون والحقوق؟ أليست هذه أوضاع ما قبل الدولة أسئلة برسم رئيس الجمهورية.. باعتبار أن العدل أساس الحكم.
ما قبل الدولة.. وطن وراء القضبان
2007-08-16