في زمن الحروب تختلط المفاهيم وتتبدّل المعايير. يُصبح الخائن وطنيًا إن خدم مصلحة طرف نافذ، ويُتهم الحرّ بالخيانة إن طالب بحق أو رفض ظلمًا. هذه هي المفارقة التي يعيشها اليمن اليوم، وسط صراع سلطتين كلتاهما تدّعي تمثيل الشرعية، بينما الواقع يُظهر أن لا أحد منهما ينحاز للشعب، بل يتقاسم الجميع أدوات القمع ونهب الموارد.
البلاد باتت موزعة بين نوعين من العملاء، لا يجمعهم سوى القطيعة الكاملة مع هموم الناس:
النوع الأول: أولئك الذين يديرون المشهد من فنادق الخارج، يحملون صفة "الشرعية"، ويظهرون على الشاشات بخطابات مكررة، يبيعون الوهم، ويتقاضون رواتب بالدولار، بينما المواطن في الداخل لا يجد ثمن الخبز ولا قيمة الدواء. يتقاسمون المناصب كما لو كانت ميراثًا شخصيًا، ويتاجرون بمعاناة النازحين، ويحرصون على حضور المؤتمرات أكثر من اهتمامهم بمصير المواطنين.
النوع الثاني: عملاء السلطة الواقعية في الداخل، الذين يمارسون القمع باسم "الصمود"، ويعتلون المناصب بالولاء لا بالكفاءة. هؤلاء يصنعون زعاماتهم عبر مجموعات "الواتس" والمكاتب، بينما ينهار الشارع تحت وطأة الفقر، وتسكت الأفواه باسم الدين، أو الأمن، أو "الثورة".
في هذا المشهد المظلم، يُترك المواطن وحيدًا. لا حزب يحميه، ولا جهة تُنصفه. من يطالب براتب متوقف منذ سنوات يُتّهم بالخيانة. ومن يرفع صوته يُحاكم محاكمة صورية لا تضمن له حتى حق الدفاع. وتُصدر بحقه أحكام الإعدام كأنها إجراءات إدارية.
حتى وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت متنفسًا وحيدًا، باتت ساحة قمع أخرى. من يكتب، من يعترض، من يسأل، يُهاجم بجيوش إلكترونية مدفوعة الأجر، هدفها تشويه السمعة وترويع كل صوت حر. يُعتقل البعض بسبب منشور، ويختفي آخرون بسبب تغريدة.
أصبح "العميل" في عرفهم هو من يرفض الظلم، ويحب وطنه دون أجندة. وأصبح "الوطني" هو من ينهب، ويقمع، ويستثمر في دماء الناس، متكئًا على خطاب مزيّف.
ختامًا، إن من يخون الأوطان لا يرفع رايات أجنبية بالضرورة. أحيانًا، تكون الخيانة أعمق عندما تُمارَس باسم الوطنية، وتُبرَّر بالشعارات. عملاء اليمن، يا سادة، ليسوا من باعوا خارطة، بل من خانوا الإنسان.