ليس صحيحًا على الإطلاق أن العرب والمسلمين قوم لا يقرؤون كما يروج البعض، وإن قرأوا لا يفهمون، ذاك ضرب من سقط الكلام، ولا أود الذهاب بعيدًا لأقول بل هو من تفاهات سقط المتاع... هم أمة اقرأ، ولكن السؤال ماذا يقرؤون؟ وكيف يتعاملون مع مضمون وأهداف القراءات إن فعلًا أمعنوا وتفحصوها؟ وهنا مربط الفرس الذي نبحث من خلاله عن قراءات وكتابات العرب والمسلمين، بخاصة خلال الظروف التي تجعل حياتهم تحت مقصلة الفناء والبقاء!
كثيرون -ولا أقول الكل- ينظرون أولًا للعناوين، وينظرون بتمعن وبكثير من التأمل للكاتب، وتبدأ الأنا المتعالية، نتساءل من الكاتب؟ ومن أين ينهل؟ وعدا ذلك من تأوهات الأنا المتعالية التي ترسم حدود الكون ومعارفه فقط برقبة تبابعة الكتابة وكتيبة الثناء والاستحسان... ويصاحب تلك الحالات حالات قتل يتجاوز من خلالها من يقرأ أسماء وأسماء وجهودًا بذلت ليس مطلوبًا معها الثناء، لكن فقط إلقاء نظرة فاحصة ضمن عطاء نقد بناء.. دعونا نقل بوضوح.
تكتظ حياة المواطن العربي وسواه في بلاد المسلمين، بجملة من تحديات مصيرية، والأمر تأكيدًا يتطلب جهدًا وحضورًا فاعلًا من قبل هيئات تتعدد صفاتها ومسمياتها، تلعب بالضرورة أدوارًا تتماشى أو تتغاير مع أي جهود رسمية.
أكتب ذلك وعالما العربي والإسلامي يعيش ختام مرحلة ضياع واستسلام لرؤى وسيناريوهات تم زرعها وفرضها وحان قطفها بأثمان فادحة، حيث لم تكن مراحل صياغات مشاريع خلخلة الكيانات الوطنية وزرع عناصر تأكلها من الداخل مع بث حالات بؤس تعاملت قصدًا بسلبية مطلقة تمثلت أسوأ عناوينها استمرار التعامل مع الجهات الصانعة والمولدة والمغذية، أقصد الولايات المتحدة والغرب عمومًا، كما أقصد ثانيًا استمرار مسار التطبيع مع السماح بتغول عوامل التآكل داخل مكونات كل بلد على حدة، مما قاد نهاية المطاف إلى استيلاد مكونات تتآكل داخليًا، تتنابذ فيما بينها، تتباعد، لنجد نهاية المطاف مكونات متنافسة ضعيفة روابطها تتسم بالخوف والحذر إن لم يذهب بعيدًا للتآمر على بعضها البعض.
وهكذا وجدنا حالة العرب سياسيًا حالة يرثى لها، والأنكى أن نجد أن علاقات البعض مع الآخر غير العربي أشد وأقوى وأمتن في مجالات تمس الأمن القومي العربي.
نحن الآن أمام مفترق طرق، بعيد اندلاع الحرب الصهيوأمريكية مع إيران، حربًا بالشكل والمضمون الهدف الكامن وراءها أي إعادة ترويض إيران ليصير الأمر لإحداث المزيد من تفتيت المفتت، أي العالم العربي. والسؤال: ما العمل الآن؟ لأن مآلات الحرب ونتائجها الأخطر سيدفع ثمنها العرب وفلسطين، هنا نلحظ للأسف عدم وجود خطاب مستجد يتعاطى مع هذا الحدث التاريخي المعبر عن توجه يستكمل ما مثله مشروع زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، حيث الحرب الدائرة صحيح بين دولة الكيان الصهيوني وإيران، ولكن سماواتها سماوات عربية، وأيًا تكن النتائج، فإن المنطقة العربية ستدفع الثمن بصورة أو أخرى!
إيران لديها البدائل، إيران تلعب في ساحة دولية مليئة بالتناقضات، ويهمها في الأمر شيئان:
الأول بقاء النظام بكل ما تمثله إيران من التوجه، الموقع، الثروات، المصالح والتناقضات مع وضد هذا الطرف وذاك.
الثاني امتلاك قاعدة علمية نووية، وما يطرح من خلافات حول امتلاك السلاح النووي، والحرب التي تخوضها إيران ستقود ضمن رؤى إعادة صياغة الشرق الأوسط.
إيران ستكون وستصير أحد العناوين المهيمنة على خارطة الشرق الأوسط الجديد... إسرائيل... تركيا... إيران.
العرب بعد أن تم تفتيت كياناتهم على الهامش للأسف، مازال بالإمكان إحداث ما يغير ذلك إن أحسنت البلاد العربية رفع الصوت كما رفعت باكستان صوتها.
هنا نقول لا يكفي ولا يشفع صيحات التأييد لإيران وإدانة العدوان الإسرائيلي الأمريكي. المطلوب أعمق وأبعد يتمثل بما يلي:
1. ليس الوقت وقتًا مناسبًا للحديث عن نقل الجامعة العربية من مقرها الخالي.
2. الوقت يتطلب بالضرورة القصوى تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي، فصوتها وحضورها كان باهتًا لا يختلف عن صوت الجامعة العربية.
3. إن إعادة تشكيل مكانة ودور إيران وفق منظور صهيوني أمريكي غربي، يعني نهاية المطاف محاصرة دور ومكانة مصر وصولًا لتحقيق تهجير وخنق القضية الوطنية الفلسطينية.
4. يتطلب الأمر وبطريقة هادئة وعقلانية تدارك ما يتعلق بمتطلبات محاصرة ما يعتمل ويعزز عملية تهشيم لمفاصل الدول العربية اليمن... لبنان... سوريا... ليبيا... السودان...
الأمر يتطلب يقظة عربية عاجلة تفرض حلولًا وطنية لمسائل الاحتراب الداخلي باليمن والسودان وليبيا وغيرها.
الأمر يتطلب التحرك شرقًا عبر توليد صياغات مصالح دائمة مع كل الصين وروسيا، إذ تبين بالملموس أن تجرؤ إسرائيل على ضرب إيران لم يكن ضربًا من سحر داود، كما أنه لم يكن خارج سيناريو متوافق عليه بين من أقاموا وأعانوا ومولوا وسلحوا دولة الكيان لتنهي حقبة من التاريخ طالت وحان أجل أن تصبح -أي إسرائيل- العنوان القائد للمنطقة ضمن مفهوم يروج له حول شرق أوسط جديد على قمة مقوده دولة الكيان مع ما يعنيه ذلك من إشارات تحدٍّ واستفزاز مقصود ضد مصر اقتصاصًا منها لرفضها المطلق لعملية تهجير سكان قطاع غزة مدخلًا لإغلاق نهائي لقضية الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس أولًا، وثانيًا تحديًا واستفزازًا لكل الكيان العربي الإسلامي بمنظمتيه الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، الخشية أن تصبح دولة الكيان عضوًا فيهما، كما حاولت أن تصبح عضوًا مراقبًا في منظمة الواحدة الإفريقية، بدعم إثيوبي واعتراض جزائري.