ما قام به رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد حين سحق تمرد التيجراي في عام 2020، عمل فضيع من وجهة نظر حقوقية، فقد كان ثمن ذلك: مقتل عشرات الألوف من المدنيين، وربما أكثر، واغتصاب مئات، وربما الآلاف، من النساء، وتم سجن وتعذيب أعداد كبيرة من سكان تيجراي. وتلك الجرائم تستحق الإدانة، ومن العدالة أن يُعاقب مرتكبوها مهما علت مراكزهم.
ولكن؛ دعونا نتخيل الصورة لو أن (آبي أحمد) استجاب للضغوط الخارجية، وخاف أن تُسحب منه جائزة نوبل، وسلَّم مقاليد الأمور لمبعوث أممي على شاكلة سيئ الذكر (جمال بن عمر). ففي تلك الحالة كان المبعوث الدولي والخبراء المزيَّفين، الذين سيأتي بهم من نشطاء المنظمات الحقوقية، سينفذون كتالوجاً مدمراً لإثيوبيا كما تم في اليمن.
ففي البداية، كان هذا المبعوث سيُطالب مجلس الأمن بإصدار قرار تحت البند السابع بوقف إطلاق النار في إثيوبيا، والذي كان سيؤدي إلى تجميد الصراع، ويمنع الحكومة الإثيوبية من أن تمارس سيادتها على أرضها، وإنهاء التمرد والمشروع الانفصالي في تيجراي.
وفي مرحلة تالية، كان سيتم عقد مؤتمر حوار وطني في فندق (موفنبيك أديس أبابا)، وستكون مهمة هذا المؤتمر حل كل مشاكل إثيوبيا منذ أن وُلدت الدولة قبل ألف وخمسمائة عام تقريباً، وحتى اندلاع الصراع عام 2020. وهذا يعني إشراك ممثلين عن ما يزيد عن 100 مكون ثقافي تتكون منها إثيوبيا، في مؤتمر الحوار العتيد، ليستعرضوا مظالمهم الحالية، أو التي حدثت خلال الألف وخمسمائة عام الماضية.
والنتيجة المتوقعة من ذلك المؤتمر (مخرجات مؤتمر الحوار) كانت ستسفر عن تقسيم إثيوبيا إلى 100 أو أكثر من الأقاليم، وتشكيل حكومة اتحادية محاصصة بين آلـ 100 مكون، إضافة إلى حصص للنساء والشباب وربما الأطفال والشيوخ. ومن الطبيعي أن تكون هذه الصيغة غير قابلة للتنفيذ، وهو ما يعني تفجير المجتمع والدولة الإثيوبية من الداخل، وفتح الباب للتدخلات الخارجية لتمارس عبثها وأجنداتها الخبيثة.
الخلاصة أن كتالوج الأمم المتحدة لو تم تطبيقه في إثيوبيا، فإنه كان سينهي الدولة الإثيوبية، كما أنهى مؤتمر موفنبيك صنعاء الدولة اليمنية. وتدمير الدولة الإثيوبية، لو حدث، كان سيطلق تسونامي ضخماً في الدولة التي تضم ما يزيد عن 110 ملايين نسمة (الثانية في القارة الأفريقية)، وهذا التسونامي لم يكن تأثيره ليقتصر على إثيوبيا، لكنه كان سيطال بشكل مباشر وغير مباشر كل القارة الأفريقية وجنوب الجزيرة العربية، وكانت شظاياه ستصل إلى جميع مناطق العالم تقريباً.
وفي هذه الحالة فإن الخسائر والكوارث، التي كانت ستنجم عن تطبيق كتالوج الأمم المتحدة، لن يكون لها حدود بشرية أو جغرافية، ولن يكون لها نهاية زمنية.
والخلاصة أن كتالوج (آبي أحمد) إنساني بكل المقاييس، على الرغم من بشاعته الظاهرية، فذلك الكتالوج حافظ على وحدة الدولة الإثيوبية، وجنب العالم (صندوق باندورا) كان من المستحيل إغلاقه. وعليه، فإن (آبي أحمد) يستحق جائزة نوبل أخرى على ما قام به، إذا ما قُيست الأمور على ما ذكرنا. في المقابل، نجد كتالوجات الأمم المتحدة، وإن كانت تحمل في ظاهرها الحلول الخارقة والقيم النبيلة، إلا أنها عملياً وبالتجربة المعاشة، لم تسفر إلا عن كوارث لا حدود لها.