منتصف فبراير الماضي، دشن رئيس مجلس الوزراء أحمد عوض بن مبارك تحركاته الميدانية من مصلحة الهجرة والجوازات. أطل الرجل في وسائل الإعلام ليوصل رسالة مفادها أنه تجاوز عتبة معاشيق بخلاف سابقيه.
خطوة فبراير الأولى تطور معها فساد مصلحة الجوازات ليتحدث عن نفسه بصيغة إعلانات دخلت فيها وكالات ومكاتب سفر توجه إعلاناتها للمواطنين بأسعار سمسرة الجواز في مناطق الشرعية، بما في ذلك عروض مغرية للحصول على جواز خلال 24 ساعة، سواء بالعملة المحلية أو بالريال السعودي أو الدولار.
رصدت "النداء" عشرات الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري، تقدم أسعارًا متفاوتة للحصول على جوازات سفر عن بعد وأخرى مستعجلة في فترة قياسية لا تتجاوز 24 ساعة، وبمبالغ تتراوح بين 200 ألف ريال و300 ألف ريال، أو بما يعادلها في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
اتصلت "النداء" بعدد من مكاتب السفريات والسياحة في الحديدة وصنعاء، قالوا إنهم على تواصل مستمر بموظفين في رئاسة المصلحة وفروع المصلحة في عدن وتعز، وأن النصيب الأكبر من "سمسرة الجوازات" يذهب لموظفين في المصلحة تم الاتفاق معهم أيضًا على أسعار سرعة طباعة الجوازات.
7 ملايين جواز سفر
أوقفت حكومة الشرعية العمل بالجوازات الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين في العام 2016م، وقررت إصدار جوازات في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ذكر مسؤولون في المصلحة أن إجمالي الجوازات التي تمت طباعتها حتى أواخر العام الماضي تجاوزت 7 ملايين جواز، بمتوسط 1 مليون جواز سنويًا يتم إصدارها في 10 مراكز بالداخل و15 بعثة خارجية.
عروض وجبايات
اشتدت وتيرة عروض التخفيضات في "سمسرة الجوازات" عبر مكاتب سفريات وسياحة منذ إعلان فتح منفذ القصر - الكمب تعز الرابط بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الشرعية بتعز منتصف يونيو الماضي. وبالتزامن مع فتح المنفذ، قررت السلطات في تعز فرض جبايات على كل جواز سفر بواقع 10 آلاف ريال يتم تحصيلها خارج المالية العامة بمبرر تعزيز جهود الأمن.
يقول مصدر في السلطة المحلية إن الرسوم القانونية التي يجب أن يدفعها المواطن عند حصوله على جواز سفر هي 5 آلاف ريال فقط، منها 4500 رسوم الدفتر و500 رسوم الاستمارة، وهذه المبالغ يتم توريد 4 آلاف ريال منها موارد محلية يتم تحويلها إلى حساب السلطة المحلية في البنك المركزي.
قررت سلطات عدن هي الأخرى فرض جبايات على رسوم الجوازات بلغت 12 ألف ريال. ثمة مركزان متنافسان على الزبائن القادمين من مناطق سيطرة الحوثي، الأول رئاسة المصلحة والثاني فرعها في عدن.
آلية جديدة لإصدار الجوازات
يقول موظفون في مصلحة الهجرة والجوازات إن المصلحة كانت تخصص عددًا من الجوازات يوميًا للطوارئ والحالات المرضية المستعجلة، وبقية الإصدارات يتم طباعتها وفقًا للدور وأرقام المعاملات، لكن هذه الآلية تم تعطيلها بمبرر تكدس آلاف الجوازات وتخلف أصحابها عن استلامها. "م.س" أنجز معاملته في منتصف شهر يوليو الماضي ولم تصله رسالة من فرع المصلحة لاستلام جواز السفر. يضيف لـ"النداء": طلبوا مني 25 ألف ريال مقابل إنجاز طباعة الجواز.
أواخر سبتمبر الماضي، نشر فرع مصلحة الجوازات بتعز آخر تعميم للمواطنين يفيد بإنجاز طباعة الجوازات حتى أواخر شهر يونيو 2024م. يلجأ المواطنون منذ أشهر إلى دفع مبلغ 50 ريال سعودي لموظفين في فروع المصلحة مقابل تسريع طباعة جوازات سفرهم، وهي مبالغ إضافية للجبايات التي دفعوها عند معاملة استخراج الجواز.
إحصائيات
ارتفع عدد معاملات استخراج جوازات السفر في فرع المصلحة بتعز خلال الفصل الثالث من العام الجاري (عقب فتح منفذ القصر) مقارنة بالنصف الأول من العام الجاري، وفقًا لبيانات مركز الإعلام الأمني التابع لشرطة تعز. ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية، فإن إجمالي الجوازات التي صدرت المصلحة خلال شهر أغسطس تقل بنسبة 20% عن المعاملات التي أنجزت خلال ذات الشهر في فرع المصلحة بتعز.
بيانات الشرطة أشارت إلى إجمالي الإيرادات، لكن الأرقام المعلنة لا تتحدث عن الجبايات التي يتم تحصيلها بواقع 10 آلاف ريال يتم إجبار المواطنين على دفعها خلال المعاملة وبدون سندات تحصيل.
وفقًا لبيانات الشرطة ووزارة الداخلية والمصادر المحلية وعاملين في فرع مصلحة الجوازات بتعز، فإن إجمالي معاملات استخراج جوازات سفر خلال الأشهر التي أعقبت فتح المنفذ بلغت 220 ألف معاملة، تم تحصيل منها مبلغ 2 مليار و200 مليون ريال بصورة غير قانونية بواقع 10 آلاف ريال جباية خارج إطار المالية العامة.
دفع المواطن وسيم الحصيني 12 ألف ريال لصندوق تحصيل الرسوم في المصلحة بزيادة 7 آلاف ريال عن الرسوم القانونية.
يقول في حديثه لـ"النداء": "لم أحصل على سند بالمبلغ الذي تم تحصيله، وإلى جانب هذه المبالغ أبلغونا بضرورة دفع 1000 ريال قبل الدخول إلى كابينة التصوير، و1000 ريال أخرى مقابل ملف، و1000 ريال أيضًا لموظف قسم التحقق والتحريات."
منافسة على الزبائن..!
يتنافس كل من فروع المصلحة في تعز وعدن ورئاسة المصلحة بعدن على استقطاب "الزبائن القادمين من مناطق الحوثيين". تجاوز عدد جوازات السفر التي صدرت من فرع تعز إجمالي الجوازات التي صدرت من رئاسة المصلحة وفرعها في عدن خلال شهر أغسطس، وفقًا لبيانات وزارة الداخلية.
يقول ملاك وكالات سفر للنداء إنهم وجدوا فرصة أفضل لاستخراج جوازات سفر لزبائنهم في محافظة تعز بسبب المسافة مقارنة بطول الطريق إلى عاصمة الشرعية المؤقتة عدن.
خلال شهر يوليو الماضي، بلغ إجمالي جوازات السفر التي صدرت من رئاسة المصلحة بعدن 14 ألف جواز سفر، في حين أصدر فرع المصلحة بعدن 13 ألف جواز سفر.
يتم استخراج جوازات السفر في 10 مراكز بمناطق الشرعية، بما في ذلك رئاسة المصلحة (عدن - تعز - مأرب - شبوة - سيئون - المكلا - المهرة - الخوخة - سقطرى) وفي 15 بعثة خارجية.
تقاسم الجبايات
وفقًا لمصادر النداء، يتم تقاسم الجبايات غير القانونية المضافة على كل جواز سفر بين السلطات. تؤكد مصادر النداء في تعز أن من إجمالي 10 آلاف ريال، تم تخصيص 5 آلاف لصالح شرطة تعز، و2500 لصالح رئيس المصلحة (في الرياض)، و2500 لصالح فرع المصلحة.
على الرغم من الجبايات المهولة التي تتجاوز 730 مليون ريال شهريًا بمبرر تعزيز الأمن، لا تحصل أقسام الشرطة في تعز على مخصصات من هذه الجبايات، بما فيها إدارة الأدلة الجنائية بالمحافظة.
تؤكد مصادر النداء أن مدير عام الشرطة بالمحافظة يتحصل شهريًا على 120 مليون ريال يتم توريدها إلى أحد الحسابات البنكية الخاصة.
فساد بلا حدود
الجبايات التي فرضت على جواز السفر منذ زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى مصلحة الجوازات ستتجاوز 10 مليارات ريال سنويًا، وفقًا لتأكيدات مختصين. إذ يعد جواز السفر نفط الشرعية المدر لمداخيل غير قانونية، وتحديدًا في محافظة تعز التي تستأثر بنحو 30-40% من إجمالي الجوازات الصادرة عن المصلحة، سيما بعد فتح منفذ القصر.
مصدر رفيع في السلطة المحلية فضل عدم ذكر اسمه قال لـ"النداء" إن الجبايات على الجواز فرضتها الجهات الأمنية بالقوة.
وأضاف: "أبلغنا الجهات العليا بما حدث، وكان ردهم متماهيًا.. قالوا لنا: مشوا حالكم."
اقرأ أيضاً: