شابت شعورنا يا أحمد أخي، أكثر من ربع قرن من الصداقة الجميلة في الزمن الجميل، بوزارة الثقافة، ومعهد الفنون، الموسيقار أحمد صالح بن غودل، خريج المعهد العالي للفنون بالقاهرة، والخبير في عزف آلة القانون التي تخصص بدراستها.. صفحات ومحطات بعضها متقارب والآخر متباعد من عمر صداقة جميلة.. حين سافرنا إلى القاهرة عند إعادة افتتاح خطوط طيراننا "اليمدا" إلى القاهرة، بعد عقد من المقاطعة في آخر الثمانينيات.. كنا خمسة.. هو وأنا ومحمد سعيد جرادة وأحمد بن أحمد قاسم وعتيق سكاريب، مع حفظ الألقاب.. يرجع الفضل للأستاذ محمد أحمد جرهوم، وزير الثقافة.. قال لنا سائق التاكسي في مصر: يا بشوات سليمان جوهر إيه دا اللي عايزين تسكنوا فيه؟ دا شارع حقير قوي! قال الجرادة: إذا كان الغراب دليل قوم، يسير بهم على جيف الكلاب!

أحسن بن غودل الاختيار بحق لذلك الحي الشعبي.. كأنه أراد استعادة ماضي دراسته منذ 20 سنة حين سكن هناك.. قال: سآخذكم إلى السمسار الذي أعرفه، واختار لي السكن في زمن دراستي.. أعرف القهوة التي يجلس فيها.. وأعرف اسمه! لكن ذلك كان منذ زمن طويل يا أحمد.. ما الذي يضمن وجوده بالقهوة؟ قال: هذه القاهرة.. أنا أعرف ما أفعل.. ووجدنا السمسار فعلًا.. وكان بصحبة ابنه الشاب.. واختار لنا شقة في الدور الثامن من عمارة جديدة سكنا فيها.. وكانت أجمل صحبة مع أجمل ناس قد تحدثت عنها كثيرًا قبل هذه المرة.

صالح مصلح قاسم يحب اللهو ويرقص الشرح كلما سنحت له فرصة.. كنا في آخر احتفال بعيد ميلاد الرئيس علي ناصر محمد، في ديسمبر 1985م.. وأحمد بن غودل وفرقته وحسين السيد وأنا وغيرنا كثيرون.. أراد صالح مصلح أن يشترح على أنغام أغنية كانت تصدح.. سحب إحدى بنات فرقة الإنشاد لتراقصه.. صرخت الفتاة: الحقني يا أحمد! سمعت أحمد يقول لمصلح: بطل الهبالة يا صالح وخلي للوليدة حالها! أي والله.. قالها لوزير الدفاع، وهو الآن مدير ثقافة عدن أطال الله عمره.. ويمكنه أن يراجعني.. ومضى أجمل احتفالات عيد الميلاد حين تولى مصلح تدبيج خطاب مدائح طويل لعلي ناصر بعيد ميلاده!

في السبعينيات حين أكملت كتابة مسلسل "نجران تحت الصفر" للإذاعة، ليخرجه محمد سعيد منصر، طلب المنصر أن يتضمن المسلسل مقاطع غنائية وأشعارًا.. ولجأت إلى القرشي عبدالرحيم سلام لكتابة الأشعار.. وكتبها: نجران تحت الصفر تحتسي المساء! ومن أجل التلحين لجأت إلى بن غودل، وفي وقت قياسي كتبت الأشعار ولحنت، وأضيفت إلى المسلسل الذي لعب بطولته أحمد ناصر الحماطي لأول وآخر مرة في حياته!

تولى بن غودل إدارة معهد الفنون خلفًا للفنان جميل غانم، وقام فعلًا بإعادة الحياة إلى المعهد.. وإعادة الروح إلى إنتاجنا الفني الذي بدا قبل ذلك أنه قد تلاشى في خموله، وكاد يختفي.. يرجع إليه الفضل في تأسيس فرقة الإنشاد التي برزت بقوة مع فرقة موسيقية متميزة أخذت على عاتقها إحياء تراثنا الغنائي العريق بقيادة الموسيقار والمايسترو بن غودل.. وازدهر نشاط فرق الرقص الشعبي في عدن، وامتد إلى حضرموت وغيرها.. وتشهد التسجيلات الكثيرة لذلك النشاط المبدع الخلاق بإعادة الروح إلى حياة فنية مزدهرة ظننا أننا قد فقدناها.. وها هو بن غودل يمضي في صياغة سيمفونية الفن المتجدد بقيادته البارزة لفنون وثقافة عدن.